وهاجرت إلى المدينة، فكانت هجرتك فتحا، ثم لم تغب عن مشهد شهده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قتال المشركين من يوم كذا ويوم كذا، ثم قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنك راض، فوازرت الخليفة بعده على منهاج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فضربت من أدبر بمن أقبل حتى دخل الناس في الإسلام طوعا أو كرها. ثم قُبِضَ الخليفة وهو عنك راض، ثم وُلِّيتَ بخير ما ولَّى الناسُ، مصَّر الله بك الأمصار، وجبى بك الأموال، ونفى بك العدو، وأدخل الله بك على كل أهل بيت من توسعهم في دينهم، وتوسعهم في أرزاقهم، ثم ختم لك بالشهادة، فهنيئا لك، فقال: والله! إن المغرور من تُغَرِّرونه. ثم قال: أتشهد لي يا عبد الله عند الله يوم القيامة؟ فقال: نعم. فقال: اللهم! لك الحمد، ألصق خدي بالأرض يا عبد الله بن عمر، فوضعته من فخذي على ساقي، فقال: ألصق خدي بالأرض، فترك لحيته وخده حتى وقع بالأرض، فقال: ويلك وويل أمك يا عمر إن لم يغفر الله لك. ثم قُبِضَ رحمه الله. فلما قُبِضَ أرسلوا إلى عبد الله بن عمر، فقال: لا آتيكم إن لم تفعلوا ما أمركم به من مشاورة المهاجرين، والأنصار، وسراة من ها هنا من الأجناد.
قال الحسن -وذُكِرَ له فعل عمر عند موته وخشيته من ربه- فقال: هكذا المؤمن جمع إحسانا وشفقة، والمنافق جمع إساءة وغرة، والله! ما وجدت فيما مضى، ولا فيما بقي عبدا ازداد إحسانا إلا ازداد مخافة وشفقة منه، ولا وجدت فيما مضى، ولا فيما بقي عبدا ازداد إساءة إلا ازداد غِرَّة.
حسن: رواه الطبراني في الأوسط (٥٨٣) عن أحمد (هو القاسم بن مساور)، حدثنا سعيد بن سليمان الواسطي، قال: حدثنا مبارك بن فضالة، قال: حدثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر فذكره. وإسناده حسن من أجل مبارك بن فضالة فإنه حسن الحديث وقد حسَّنه الهيثمي في المجمع (٩/ ٧٤ - ٧٦).
تنبيه: قوله: "ألصق خدي بالأرض يا عبد الله بن عمر" كذا في المطبوع، والصواب "عبد الله ابن عباس" لأن "عبد الله بن عمر" لم يكن موجودا في ذلك الوقت عنده، كما يدل عليه آخر الحديث. وهو قوله:"ثم قبض رحمه الله، فلما قبض أرسلوا إلى عبد الله بن عمر".