عن أمر ربٍّ قدير، وتخرج عن طريق البشير النذير، فحينئذٍ يخاف عليك أن تمنع من دخول جنةٍ فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ولباس أهلها حرير. وهذا جزاء لمن عصى الناقد البصير.
ثم اعلم رحمك الله! أن كثيرًا من الناس كان سبب هلاكهم تعظيم الخلق لهم فمنهم من مات جاحدًا، قال الله تعالى في رؤساء مكة زادها الله شرفًا: ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ [الأنعام: ٣٣]، ومنهم من مات فاسقًا، والفاسق من يعمل المعصية جهرًا كمن يعمل «القوصرة» ويجمع الناس على شيء يقال له: «التزكرة»(١)، فيؤتى بأمرد سبحان من خلقه وصوره، فيخلع لباسه بين يدي من حضره ويلبسه غيره، ويشد تكته بيده، وقد حرم الشرع الخلوة معه ومسه ونظره، فتمسك أيها المسكين بالشرع الشريف، ودع عنك أفعال الفجرة.
وأقبح من هذا فعله مع الرجل الكبير، وإنما يلبس الطفل لأجل صغره ثم بعد هذا البدع يشربون الماء والملح، ويضيفون هذه المصائب لآل بيت النبي ﷺ الكرام البررة ﴿قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (١٧)﴾ [عبس: ١٧]. لقد افتروا الكذب على أمير المؤمنين، والذي خلق الإنسان فقدره، وشق سمعه وبصره، فسبحان الحليم الذي لا يعجل على عبده المدبر إذا خالفه فيما أمره، ويمهله ليومٍ عظيم يرجف قلبه، ويشخص بصره.
(١) في النسختين: (العزيزة) و (التذكرة)، والأولى صوابها ما أثبتناه كما تقدمَّ في كلام السبكي (ص: ٢٢٨ و ٢٤٤)، أمَّا (التذكرة) فقد ورد في كلام ابن تيمية في «الفتوة» ما يدل على أن الصواب في هذه الكلمة: «دسكرة»، ففي السؤال: ويسمون المجلس الذي يجتمعون فيه: دسكرة. وقال ابن تيمية: «وأما لفظة الدسكرة فليست من الألفاظ التي لها أصل في الشريعة فيتعلق بها حمد أو ذم، ولكن هي في عرف الناس يعبر عنها عن المجامع، كما في حديث هرقل: أنه جمع الروم في دسكرة. ويقال للمجتمعين على شرب الخمر: إنهم في دسكرة. فلا يتعلق بهذا اللفظ حمد ولا ذم، وهو إلى الذم أقرب؛ لأن الغالب في عرف الناس أنهم يسمون بذلك الاجتماعَ على الفواحش والخمر والغناء». انظر: «مجموع الفتاوى» ١١/ ٨٦ و ٩٤، و «مجموعة الرسائل والمسائل» ١/ ١٤٧، و ١٥١، و ١٥٤. (ت)