ومن غش أباك لا يكون لك ناصحًا. فأخرج أبويك من الجنة فأدركتهما المنَّةُ. قال المولى القدير: ﴿إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [فاطر: ٦]. وقد أجمع العلماء أنه لا يحل لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتهجم على مثل هذه المحرمات لفعل الخيرات. فمن فعل ذلك فقد فعل شيئًا لم يؤمر به، وترك شيئًا أمره الله به، فيجب على المسلم ترك الكذب على آل بيت النبي ﷺ والنظر إلى ما حرَّم الله تعالى، ولا يجب عليه السعي في خلاص المحابيس المناحيس ومن بلاهم يدبرهم، فيكون مثلُ من يفعل ذلك كمثل امرأة تزني وتتصدق به، يقال لها: لو تركتي الزِّنى كان أحب إلى الله تعالى من هذه الصدقة. قال بعضهم شعرًا مناسبًا لهذا:
بنى مسجدًا لله من غير حلِّه … وجاء بحمد الله غير موفَّق
كمُطعِمة الأيتام من كدِّ فرجها … لك الويلُ لا تزني ولا تتصدَّقي
اسع أيها المسكين! في خلاص نفسك أولًا من البدعة والهوى، ثم اسع في خلاص غيرك. قال ﷺ:«ابدأ بنفسك، ثمَّ بمَن تعولُ». ثم اعلم رحمك الله وجميع المسلمين أنه لا يحل لمسلم أن يسعى في خلاص مجرم، كمن يدعي الفتوة ويكذب على آل بيت النبوة، ويفسد أولاد المسلمين، ويضرب بالسكين. قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٣٣]، قال أبو حنيفة ﵀: نفيهم حبسهم. ويخاف أيضًا على من سعى في خلاص هؤلاء الأشرار أن يسجنه الله تعالى غدًا في النار.
فإن قالوا: إن هذه الطريقة ما أحدثناها بل أخذها كبير عن كبير إلى الخليفة، ليس ذلك بحجة لقوله ﷺ:«عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين». ما قال: بسنة الخلفاء الخارجين! وكان في الخلفاء الخوارج عن السنة، وقال ﷺ:«لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»، فلا تطع أيها العاقل الخليفة وتعصى الشريعة الشريفة، ولا تغتر أيها المسكين! بمن اجتمع حولك من المدبرين وبقولهم لك: يا كبير. فيحملك ذلك بأن تفسق