(٢) قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀: قول بعضهم: ينبغي للمريد أن يكون بين يدي الله كالميت بين يدي الغاسل. هذا الكلام إذا أريد به في جانب الله أن يكون مفوِّضًا إليه أموره فيما يقدر عليه، مما ليس في ترك واجب ولا مستحب، فهذا معنى صحيح، لكن دلالة اللفظ عليه بعيدة، وظاهرُه يُعطي أنه لا يكون له من نفسه حركة قط حتى تُحرَّك تحريكاً جبريَّا، فهذا باطل ممتنع. ثم إن الممكن منه محرَّم في الدين على الإطلاق، وذلك أن الميت لا تقوم به حركةٌ ببدنه ولا إرادة تحريك بدنه، والحي ليس كذلك، فإن جسده يتحرك حركة اختيارية، وهذا أمر لا بدَّ منه، فلا بد من الحركة الاختيارية، ويمتنع أن يُحرِّكَ حركةً ينتفي حكمُ إرادته فيها، فالأمر فيه عكس الميت من وجهين: الوجود والعدم، فإن الميت لا يتحرك بدنه في العادة باختياره، وهو يُحرَّك دائمًا بغير اختياره، وقول المطلق احتراز على المقيد ونحوه ممن غسَّل، فذاك لا فعلَ له بحالٍ، فهذا بطلانُه وامتناعُه. وأما مخالفتُه للدين والشريعة، فإن الله لم يأمرنا بعدم الإرادة والحركة، ولا مراده في دينه منَّا أن نكون مسلوبي الاختيار والحركة والعمل، وإنما المراد منَّا أن نكون مطعين له ولرسوله، وأن تكون حركتُنا واختيارنا تبعًا لأمره الذي بعث به رسوله، فعلينا أن نختار ونعمل ما أوجب علينا عمله واختياره، وهو يحب لنا ويرضى أن نختار ونعمل ما يستحب لنا في دينه، ويعاقبنا على عدم الإرادة والعمل المستحب. وهنا قد تغلط طائفة من المتصوفة فيقولون: ما المراد؟ قد يستعملون ذلك فيما فيه ترك مستحبات، وقد يتعدَّون إلى ما فيه ترك واجبات، فيقال: ليس المراد منا الانقياد لكل حكم قاهر، ولا الاستسلام لكل ذي سلطان قادر، وإنما المطلوب منا الاستسلام لله، وإخلاص الدين له، وطاعة أمره ونهيه: ﴿ومن يطع الله والرسول فأولائك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين﴾، ﴿ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم﴾، فإن الدين: الإيمان والبر والتقوى وطاعة الله ورسوله والاحسان والعمل الصالح ونحو ذلك، هو المطلوب منا، والمراد بنا في دين الله تعالى وكتابه، فأما الحوادث التي تكون بغير أفعالنا فالأقسام فيها ثلاثة: تارةً نُؤمَر بدفعها بالباطن أو الظاهر، كما يُؤمَر بجهاد الأعداء عن الدين. وتارةً نُؤمَر بالصبر عليها، وهو ما قُضي من المصائب ولا فائدةَ في الجزع عليه، كالمصائب في الأنفس والأموال والأعراض، والرضى بهذه أعظم من الصبر. وهل هو واجب أو مستحب، على قولين أصحُّهما أنه مستحب. وتارة نُخيَّر بين الأمرين =