للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فانظر رحمك الله! ماذا وهب الحقُّ سبحانه لهؤلاء العبيد، فسبحان المولى المجيد المعطي بغير حساب، الفعَّال لما يريد، فارض أيها المؤمن! بقضاء سيدك، وكن متبعًا للسنة شاكرًا لأنعمه، يأتيك من الله سبحانه الخير والمزيد، ولا تكن مبتدعًا متعرضًا، فيسخط الله عليك، يوم تأتي كل نفس معها سائق وشهيد، وكان بعضهم يقول هذه الأبيات في المعنى:

كن عن همومك معرضًا … وكِل الأمور إلى القضا

وأبشر بخير عاجل … يمحى به ما قد مضى

فلرب خيرٍ في المضيق … ورب ضيق في الفضا

ولرب أمرٍ مسخط … لك في عواقبه الرضا

والله يحكم ما يريد … فلا تكن متعرضًا

غلب على بعض الصالحين الوله، فلم يشعر حتى دخل أرض العدو، فأسره بعض علوج النصارى، وجاء به لسوقهم، فبينما هم يتزايدون في ثمنه رُدَّ عقلُه إليه، فرمق بطرفه إلى السماء وقال: أوقعني حبك فيمن يزيد في موقف الذل وسوق العبيد، قد حضر البائع والمشتري، عبدك (١) راضٍ فافعل (٢) ما تريد (٣).

فانظر أيدك الله تعالى! إلى أوصاف إخوانك، صار أحدهم كالميت


= رسول الله لها قالت ما قالت، إدلالاً للحبيب على حبيبه، ولا سيما في مثل هذا المقام الذي هو أحسن مقامات الإدلال، فوضعته موضعه، ولله ما كان أحبها إليه حين قالت: لا أحمد إلا الله، فإنه هو الذي أنزل براءتي، ولله ذلك الثبات والرزانة منها، وهو أحب شيء إليها، ولا صبر لها عنه، وقد تنكر قلب حبيبها لها شهرًا، ثم صادفت الرضى منه والإقبال، فلم تبادر إلى القيام إليه، والسرور برضاه وقربه، مع شدة محبتها له، وهذا غاية الثبات والقوة. (ت)
(١) في (خ): عبيدك.
(٢) في (ق): فاحتكم.
(٣) لم أقف على هذه الحكاية.

<<  <  ج: ص:  >  >>