للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= أمري، ولكني كنتُ أرجو أن يرى رسول الله في النوم رؤيا يبرِّئني الله، فوالله ما رام مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت، حتى أنزل عليه الوحي، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء، حتى إنه ليتحدَّر منه مثل الجمان من العرق في يوم شاتٍ، فلما سري عن رسول الله وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها، أن قال لي: «يا عائشة! احمدي الله، فقد برَّأك الله». فقالت لي أمي: قومي إلى رسول الله ! فقلت: لا والله لا أقوم إليه، ولا أحمَدُ إلا الله، فأنزل الله تعالى: ﴿إن الذين جاءو بالإفك عصبة منكم﴾ الآيات.
قال ابن حجر في «فتح الباري»: ومعنى قوله: وصدَّقتم به. في رواية هشام بن عروة: لقد تكلمتم به، وأشربته قلوبكم. قالت هذا وإن لم يكن على حقيقته، على سبيل المقابلة، لما وقع من المبالغة في التنقيب عن ذلك، وهي كانت لما تحقَّقته من براءة نفسها ومنزلتها تعتقد أنه كان ينبغي لكلِّ من سمع عنها ذلك أن يقطع بكذبه، لكن العذر لهم عن ذلك أنهم أرادوا إقامة الحجة على من تكلم في ذلك، ولا يكفي فيها مجرد نفي ما قالوا، والسكوت عليه، بل تعيَّن التنقيب عليه، لقطع شبههم، أو مرادُها بمن صدق به أصحاب الإفك، لكن ضمت إليه من لمم يكذبهم تغليبًا.
وقال ابن حجر أيضّا: وزاد في رواية الأسود عن عائشة: وأخذ رسول الله بيدي، فانتزعتُ يدي منه، فنهرني أبو بكر. وعُذرها في إطلاق ذلك ما ذكرته من الذي خامرها من الغضب: من كونهم لم يبادروا بتكذيب من قال فيها ما قال، مع تحققهم حسن طريقتها. قال ابن الجوزي: إنما قالت ذلك إدلالاً كما يدلُّ الحبيب على حبيبه. وقيل: أشارت إلى إفراد الله تعالى بقولها: فهو الذي أنزل براءتي؛ فناسب إفراده بالحمد في الحال، ولا يلزم منه ترك الحمد بعد ذلك، ويحتمل أن تكون مع ذلك تمسكت بظاهر قوله لها: «احمدي الله» ففهمت منه أمرها بإفراد الله تعالى بالحمد، فقالت ذلك، وما أضافته إليه من الألفاظ المذكورة كان من باعث الغضب. وروى الطبري وأبو عوانة من طريق أبي حصين عن مجاهد قال: قالت عائشةُ لما نزل عذرها فقبَّل أبو بكر رأسها: فقلتُ: ألا عذَرْتني؟ فقال: أيُّ سماء تظلني، وأي أرض تقلني؛ إذا قلت ما لا أعلم!
وقال ابن القيم في «زاد المعاد» ٣/ ٢٣٦: ومن تأمَّل قول الصدِّيقة، وقد نزلت براءتها، فقال لها أبواها: قومي إلي رسول الله ، فقالت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله! علم معرفتها، وقوة إيمانها، وتوليتها النعمة لربها، وإفراده بالحمد في ذلك المقام، وتجريدها التوحيد، وقوه جأشها وإدلالها ببراءة ساحتها، وأنها لم تفعل ما يوجب قيامها في مقام الراغب في الصلح الطالب له، وثقتها بمحبة=

<<  <  ج: ص:  >  >>