للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولله، ومن الله، وإلى الله: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (٨٠)[الإسراء: ٨٠]. ينصرني على شهود نفسي، ويُغَيِّ بُني (١) على دائرة حسي؛ لأنه ما وصل إلى صريح الحرية مَنْ عليه من نفسه بقية.

ثم اعلم: إن كان عين القلب تنظر إلى الله تعالى أنه واحد في منته، فالشريعة تقتضي أن لا بد من شكر خليقته. والناس على أقسام ثلاثة: غافل منهمك في غفلته، قويت دائرة حسه، وانطمست حضرة قُدسه، فنَظَرَ الإحسانَ من المخلوقين، ولم يشهده من رب العالمين، إما اعتقادًا؛ فشِركُه جَلِيٌّ، وإما استنادًا؛ فشِركُه خفيٌّ. وصاحب حقيقة غاب عن الخلق بشهوده الملك الحق، وفني عن الأسباب بشهوده مسبب الأسباب، هذا عبد مواجَهٌ بالحقيقة، ظهر عليه سَنَاها، سالك للطريقة، قد استولى على مداها؛ لكنه غريق الأنوار، مطموس الآثار، قد غلب سكره على صحوه، وجمعه على فرقه، وفناؤه على بقائه، وغيبته على حضوره. وأكمل من هذا عبدٌ شرب فازداد صحوًا، وغاب فازداد حضورًا، فلا جمع يحجبه عن فرقه، ولا فرق يحجبه عن جمعه، ولا فناء يحجبه (٢) عن بقائه، ولا بقاء (٣) يصده عن فنائه؛ يعطي لكل ذي قسط قسطه، ويوفي كل ذي حق حقه.

وقد قال أبو بكر الصديق لعائشة لما نزلت براءتها من الإفك على لسان رسول الله : يا عائشة! قومي إلى رسول الله . فقالت: والله لا أقوم إليه، ولا أشكر إلا الله تعالى (٤).


(١) تقرأ في النسخ: (ويعينني)، وفي «الحكم العطائية»: (ويفنيني).
(٢) في (خ، ب): فناؤه يصرفه. وفي «الحكم»: (ولا فناؤه عن بقائه يصده).
(٣) في (خ، ب) و «الحكم»: بقاؤه.
(٤) طرف من حديث الإفك أخرجه أحمد في «مسنده» ٦/ ١٩٤ (٢٥٦٢٣)، والبخاري في «صحيحه» (٤٧٥٠)، ومسلم في «صحيحه» (٢٧٧٠)، وأبو داود في «سننه» (٤٧٣٥) من حديث عائشة . وفيه أن القائل هو أمُّها، وسننقل لفظه قريبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>