للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن وافق نفسه مُحِي من ديوان أهل الطاعة، ومن شُغِل بها غفل عن أهوال يوم الساعة، ومن كانت هذه بضاعته فبئس والله البضاعة، ألم تسمع قول الواحد القهار: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ [هود: ١١٣]. فمن سوء عادتها ونحس قاعدتها تعصي الواحد الأحد، وتبيع شهوة ساعة بنعيم الأبد؛ لأن عمر ابن آدم كساعة، ولذلك جعله الولي طاعة، فمن مَنَّ اللهُ عليه، أصلح نفسه، فتجهز للقاء ربه وسارع إليه.

ثم اعلم بأن الناس في وُرُودِ المنن على ثلاثة أقسام: فَرِحٌ بالمنن لا من حيث مهديها، ولكن لوجود متعة فيها، فهذا من الغافلين يصدق عليه قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾ [الأنعام: ٤٤]، وفَرِحٌ بالمنن من حيث أنه شهدها منة ممن أرسلها، أو نعمة ممن وصَّلها، يصدق عليه قوله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ [يونس: ٥٨]. وفَرِحٌ بالله سبحانه لم يشغله ظاهر متعتها، ولا باطن منتها؛ بل شغله النظر إلى الله تعالى عما سواه، والجمع عليه، فلا يشهد إلا إياه، ويصدق عليه قوله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ﴾ [الأنعام: ٩١]. وأوحى الله تعالى إلى داود : يا داود، قل للصديقين: بي فليفرحوا، وبذكري فليتنعموا. نسأل الله العظيم أن يجعل فرحنا به، وأن لا يجعلنا من الغافلين، وأن يسلك بنا مسالك المتقين، وأن يرزقنا ما رزقهم من الدين القيم والرضَى واليقين، وأن يفعل ذلك بجميع المسلمين؛ إنه (١) على كل شيء قدير (٢).

ثم اعلم بأن الحضرة الإلهية هي مأوى قلوب المتقين، إليها يأوون، وفيها يسكنون، فإن ينزلوا إلى سماء الحقوق أو أرض الحظوظ، فبالإذن والتمكين، والرسوخ في (٣) اليقين، فلم ينزلوا إلى الحقوق بسوء الأدب، والغفلة، ولا إلى الحظوظ بالشهوة، والمتعة، بل دخلوا في ذلك كله بالله،


(١) في (خ): وهو.
(٢) هذه الفقرة في ورود المنن والأثر الإسرائيلي بتمامها من «الحكم العطائية».
(٣) في (ق): و.

<<  <  ج: ص:  >  >>