للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى ينزِل، يقول الله ﷿: «لا يسعني أرضي ولا سمائي، ويسعني قلب عبدي المؤمن» (١)، ما أحببت شيئًا وانجمعت عليه إلا كنت (٢) عبدًا له، والحق لا يرضى أن تكون عبدًا لغيره، وصول العبد إلى الله تعالى أي إلى العلم به، وإلا فجَلَّ ربنا أن يتصل إليه شيء، قربك منه هو أن تكون شاهدًا لقربه؛ وإلا فمن أنت ووجود قربه؟ الحقائق تَرِد في حين التَّجلي مجملة، وبعد الوعي يكون البيان: ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (١٩)[القيامة: ١٨ - ١٩]، متى وَرَدَتْ الموارد الإلهية إليك، هدمت العوائد عليك: ﴿إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا﴾ [النمل: ٣٤] الآية (٣).

فإن قال قائل: نسلم أن الملك الكافر إذا دخل قرية أفسدها بعمارة الكنائس، وخراب المساجد، ويعصى الحبيب، ويظهر دين الصليب، فأما الملك المؤمن إذا دخل قرية أو مدينة سعى في العدل، وعمارة المساجد وخراب الكنائس، وأطاع المولى الرقيب، وأظهر دين الحبيب، فيقال للسائل: وهذا أيضًا فساد عند أهل الكفر والعناد: خراب الكنائس والبيع، وعمارة المساجد للصلوات الخمس والأعياد والجمع.

ومثل القلب كالملك العادل: متى تحكَّم في مدينة وُجُودِ المسلم، انصلح الحال، وذهب الباطل والمحال؛ لأنه يسعى في خراب كنائس الهوى وهلاك خنازير المخالفة، فتصبح أهل المدينة مطيعة لله تعالى، وهي من سطوته خائفة، ومتى تحكمت النفس في هذه المدينة يكثر فيها الظلم والفساد، فيغضب عليها الحقُّ سبحانه، ويستوجب البُعد والعذاب.


(١) تقدم تخريجه، وأنه لا أصل له.
(٢) في (خ): كُتِبتَ.
(٣) في «الحكم العطائية»: «وصولك إليه وصولك إلى العلم به، وإلا فجلَّ ربنا أن يتصل به شيء، أو يتصل هو بشيء»، «قربك منه أن تكون مشاهدًا لقربه، وإلا فمن أين أنت ووجود قربه؟»، «الحقائق ترد في حال التجلي مجملة، وبعد الوعي يكون البيان: ﴿فإذا قرأنآه فاتبع قرءانه (١٨) ثم إن علينا بيانه (١٩)﴾» [القيامة: ١٨، ١٩]، «متى وردت الواردات الإلهية إليك هدمت العوائد عليك: ﴿إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها﴾».

<<  <  ج: ص:  >  >>