للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضمن لك من قسمته، ولم يكتف لك بالضمان حتى أقسم، وما اكتفى بالقسم حتى مثَّل، وخاطب عبادًا يفهمون بقوله تعالى: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (٢٢) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (٢٣)[الذاريات: ٢٢ - ٢٣].

وقد اكتفى بوصفه العارفون، واحتال على كرمه الموقنون، ولو لم يكن قسَمٌ ولا ضمان لوثق القوم بوجود الإحسان، والحقُّ قد رزق أهل الجحود والكفر والطغيان، فكيف لا يرزق من أطاعه من أهل الخير والإيمان.

الغارس للشجرة هو ساقيها، والممد للخليقة هو باريها، ويكفيها أنه ﷿ كافيها، أيخرجك إلى وُجُودِه، ويمنعك من جُودِه؟ أتكون في دار الضيافة وتضيع؟ الدنيا داره، وأنت فيها كالضيف الراحل عن أيام قلائل، اجعل مكان همِّك برزقه همَّك به، فهو يكفيك، وما كان لك سوف (١) يأتيك، فالحق ما اكتفى لعبده المؤمن بالدنيا حتى ادَّخر له مكانًا رفيعًا في الجنة، واستقل ذلك عليه، فزاده التمتع برؤيته، وبالنظر إليه، فإذا كان أيها المؤمن! هذا من بعض أفعاله فكيف تشك في أفضاله؟!

ولقد ظهرت الطريق لأهل التحقيق، وتبين معالم الهدى لأهل التوفيق، فأذعنوا لربوبيته مسلمين، وطرحوا أنفسهم بين يديه مفوِّضين، فعوَّضهم عوض ذلك راحةً في نفوسهم، ونورًا في قلوبهم، وتحقيقًا في أسرارهم.

أفرغ قلبك من الأغيار؛ يملأ بالمعارف والأنوار، ليس للقلب إلا وجهة واحدة، متى توجه (إليها حُجب عن غيرها) (٢)، ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾ [الأحزاب: ٤].


(١) في (ق): فهو.
(٢) في (ق): إلى غيرها حجب عنها.

<<  <  ج: ص:  >  >>