للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: الحمد لله، معناه: أي كل حمدٍ أتى به أحد من الحامدين، أو لم يأت به؛ فهو لله سبحانه، فيدخل فيه جميع المحامد المذكورة على لسان النبيين والملائكة والخلائق أجمعين إلى أبد الآبدين، فكأنه يقول: الحمد لله طاعة غير متناهية، (فلا بد من مقابلتها بنعمة غير متناهية) (١)، فلهذا يستحق العبد الثواب الأبدي، والخير الدائم السرمدي، إذا راعى حقوقها، ولم يتشبه بكل عبد متمرد ردي، فمن لم يراع حقوقها؛ امتنع الفضل (٢) اللائق بها، وينبغي أيضًا رعاية موضعها، فلا يقولها إذا أكل، أو شرب، أو لبس، أو فعل شيئًا حرامًا لا يسمي الله تعالى في أوله، ولا يحمده في آخره، فإن سمى الله تعالى وحمده في شيء من الحرام والعصيان يأثم، ويشاركه الشيطان.

عن سري السقطي قال: لي ثلاثون سنة أستغفر الله من قولي مرة: الحمد لله. فقيل له: كيف ذلك؟ قال: وقع الحريق ببغداد واحترق الدكاكين والدور، فأخبروني أن دكاني لم يحترق. فقلت: الحمد لله. فأنا في الاستغفار منذ ثلاثين سنة (٣).

فانظر؛ لمَّا فرح بشيء لا يليق في الشرع، وقال: الحمد لله. في غير موطنه، ورثه ذلك حزن ثلاثين سنة، فلا ينبغي لأحدٍ إذا فعل شيئًا محرمًا أن يسمي الله في أوله، ولا يحمده في آخره؛ إجلالًا لله تعالى أن يذكر على فعل محرم، فمن فعل ذلك شاركه الشيطان؛ وجزاؤه جهنم.

فقد ذكرنا ما اتفق لبعض الأحباب، عسى تتأدب النفس بشيء من هذه الآداب، فتحشر معهم، ومع النبي وعلى الآل والأصحاب.

ثم اعلم بأن الله تعالى قصَّ علينا قصص الأنبياء والأحباب (٤)، فكأنه يقول: هكذا فكونوا، لأحبكم (٥) كما أحببتهم، وأكرمكم كما أكرمتهم.


(١) ليست في (خ).
(٢) في (خ): الحمد.
(٣) أخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» ٩/ ١٨٨، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» ٢٠/ ١٧٥.
(٤) في (خ): أنبيائه وأحبابه.
(٥) في (خ، ب): فأحبكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>