وقصَّ علينا أخبار أعدائه: كفرعون، وهامان، وقارون، وإبليس. وكأنه يقول: هكذا فلا تكونوا؛ فأبغضكم كما أبغضتهم، وأبعدكم كما أبعدتهم.
قال الله تعالى إخبارًا عن يونس ﵇: ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٨٧]. وهذه وليمة عقدت ليونس ﵇ ولم نشهدها، ولكن الله تعالى جعل لنا نصيبًا فيها؛ لأنه هو المخبر بقوله: ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾. قوله: فنادى في الظلمات، يعني: في ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت. ولم يكن ذلك نقصًا لمرتبته السنية.
ثم اعلم بأن قول يونس ﵇: ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ تنزيه، وتسبيح، واعتراف. ومن أثنى على عزيز، فقد تعرض للطلب منه، وإن لم يطلب، ولذلك أجابه (١) الحق ﷾ بقوله: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (٨٨)﴾ [الأنبياء: ٨٨]. قال قائلهم:
إذا أثنى عليك المرء يومًا … كفاه من تعرضه الثناء
كريم لا يغيره صباح … عن الخلق الجميل ولا مساء
ومعنى الآية: أي من اضطر إلينا أجبناه، ومن أقبل علينا قبلناه.
فاضطر أيها العبد المملوك! لمولاك، وتوكل عليه، حتى يكون الغالب على ذكرك، فإن الخلائق لن يغنوا عنك من الله شيئًا، فمن أقبل بقلبه على الله تعالى؛ أقبل الله ﷿ بقلوب العباد عليه، ونظر بعين كرمه ومعرفته إليه.