للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتقوى حِمْيَةٌ تجْلي القلب من الشهوات الفاسدة، فإذا انجلى القلب، تمكن الذكر منه، فإذا تمكن منه ذكر الحبيب، لم يبق للشيطان فيه نصيب. قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا﴾ [الأعراف: ٢٠١]. فقلوب المتقين يطرقها الشيطان، إذا غفلوا عن ذكر الرحمن، فإذا ذكروا خنس، ولا يندفع بمجرد الذكر عن من استحوذ عليه الشيطان؛ لغفلته عن عزة الربوبية، وذلة العبودية.

قال أبو هريرة : التقى شيطان المؤمن وشيطان الكافر، فإذا شيطان الكافر سمين دهين، وإذا شيطان المؤمن (مهزول أشعث عارٍ) (١)، فقال شيطان الكافر لشيطان المؤمن: ما لك؟ قال: أنا مع رجل إذا أكل سمى؛ فأظل جائعًا، وإذا شرب سمى؛ فأظل عطشانًا، وإذا ادهن سمى؛ فأظل شعثًا، وإذا لبس سمى؛ فأظل عريانًا. فقال شيطان الكافر: إني مع رجل لا يفعل شيئًا مما ذكرت؛ فأنا أشاركه في شرابه، وطعامه، ولباسه (٢).

فانظر إلى بركة أسماء الله تعالى إذا ذكرت على شيء بورك (في ذلك الشيء) (٣)؛ ولم يكن للشيطان فيه نصيب؛ لعظمة اسم الحبيب.

وفي الخبر: أن اسم الله تعالى يصير حجابًا لذاكره من الجن، إذا دخل الخلاء والأماكن المخيفة (٤). فسبحان مَنْ مَنَّ على عباده بهذه الخيرات اللطيفة، فانظر إلى بركة الأسماء كيف صارت حجابًا بين المؤمن وبين


(١) في (ق): هزيل.
(٢) ذكره الغزالي في «إحياء علوم الدين» ٣/ ٣٧.
(٣) في (ق): فيه.
(٤) معنى حديث أخرجه ابن ماجه في «سننه» (٢٩٧)، والترمذي في «جامعه» (٦٠٦) من حديث علي بن أبي طالب، عن النبي قال: «ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء؛ أن يقول: بسم الله».
قال الترمذي: هذا حديثٌ غريب، لا نعرفُه إلا من هذا الوجه، وإسناده ليس بذاك القوِي.
وصححه الألباني في «إرواء الغليل» ١/ ٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>