للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالعاصي لا يعد من الشاكرين وإن أكثر من قول الحمد لله رب العالمين، قال المولى جل وعلا: ئي اتى. ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا﴾ [إبراهيم: ٢٨]. وكذلك حال من أكثر من الذكر وقراءة القرآن؛ وقلبه مُصر على المخالفة والعصيان، قال صلوات الله عليه وسلامه: «من أطاع الله فقد ذكر الله؛ وإن قلَّت صلاتُه وصيامُه، وتلاوتُه القرآن، ومن عصى الله فقد نسي الله وإن كثرت صلاتُه وصيامُه وتلاوته القرآن» (١).

ثم اعلم بأن مثل الشيطان كالكلب الجائع: متى نهرته اندفع، فإذا كان عندك لحم هجم، ولم يندفع، فالشهوة إذا غلبت على القلب، استقر الشيطان فيه. واندفع الذكر إلى جوانبه وحواشيه، فلا يطمعن طامع باندفاع الشيطان عنه بمجرد الذكر، كما اندفع عن عمر بن الخطاب، فمن ظنَّ ذلك فقد أخطأ في ظنه وما أصاب. قال : «ما سلك عمر فجًّا، إلا سلك الشيطان فجًّا غيره» (٢). وذلك لأنهم طهروا قلوبهم من الغِلِّ، والحسد، والكبر، وحب الدنيا، والخيانة، والرئاسة، والبخل، والحرص، ومن جميع الأغيار؛ فحينئذٍ صلحت لنزول الأنوار، فلمَّا تقربوا إلى الله تعالى بهذه العبودية؛ أبعد الله عنهم الشيطان.

قال الله ﷿: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ [الحجر: ٤٢]، والأصل في ذلك كله: تقوى الله ﷿، فما فات السالك الوصول، إلا لتضييعه الأصول.


(١) أخرجه نعيم بن حماد في زوائده على «الزهد» لابن المبارك (٧٠)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٦٨٧)، والواحدي في «الوسيط» ١/ ٢٣٤ من حديث التابعي خالد بن أبي عمران مرسلًا.
وضعفه الألباني في «السلسلة الضعيفة» (٤٥٥٣).
(٢) أخرجه أحمد في «مسنده» ١/ ١٧١ (١٤٧٢)، والبخاري في «صحيحه» (٣٢٩٤)، ومسلم في «صحيحه» (٢٣٩٦)، والنسائي في «السنن الكبرى» (٨١٣٠) من حديث سعد بن أبي وقاص .

<<  <  ج: ص:  >  >>