للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البلايا والآفات، بعد معرفته بارتكابك أنواع المعاصي والسيئات. قال الله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ﴾ [الأنبياء: ٤٢] فلولا الحراسة من رب العالمين، لاختطف الآدميَّ الجنُّ والشياطينُ، قال الله تعالى: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ [الرعد: ١١].

عن ذي النون المصري قال: حصل لي همٌّ، فخرجت إلى شاطئ النيل، فرأيت عقربًا ركبت (١) ضفدعًا، فتبعتها إلى الشاطئ (٢) الآخر فنزل العقرب يمشي، وإذا شاب نائم تحت شجرة وأفعى تقصده؛ فلدغت العقرب الأفعى، والأفعى العقرب؛ فماتا جميعًا، وسلم الشاب، وكان سكرانًا، فأيقظه ذو النون، وعرفه بالقضية، فبكى، وقال: إلهي، هذا فعلك بمن عصاك، فكيف بمن أطاعك؟ فكان ذلك سبب توبة الشاب (٣).

(عجب مِنْ ربٍّ (٤) يُقبِل، ويتحبب لعبده بنعمته، ومن عبد يدبر، ويتبغض إلى الله لمخالفته) (٥)، فمن رزقه الله تعالى إيمانًا وعقلًا، ثم صرف ذلك في موافقة الطبع ومخالفته الشرع؛ لا الإيمان يعقله، ولا العقل (٦) يعقله، فالمجنون أحسن حالًا من هذا؛ لأن المجنون من أهل الجنة، والقلم مرفوع عنه، ويثاب، وهذا العاقل يعاقب ويعاب فليته كان مجنونًا، ولم يكن عاقلًا مفتونًا، وهذه العقول أكادها (٧) باريها، فلو كمل عقل ابن آدم؛ لكان يراعي شمسه لكي لا تغيب؛ ولأسرع في دوام الشكر، وفيما يرضي الحبيب؛ لأن الله تعالى قد أسبغ عليه النعم: حفظ قلبه من الكفر، وصان وجهه عن السجود للصنم، وأكرمه بالاتباع لسيد الأمم صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، أهل الجود والدين والشجاعة والكرم، قال الله ﷿: ﴿الْيَوْمَ


(١) في (ق): حملت.
(٢) في (خ): الشط.
(٣) أخرجه ابن قدامة في «التوابين» (٨٧).
(٤) في الأصل: (عبد)، وكأنه سبق قلم على الناسخ، وما أثبتاه يقتضيه السياق.
(٥) ليست في (ق).
(٦) في (ق): الشرع.
(٧) في (ق): كادها.

<<  <  ج: ص:  >  >>