للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سنة نبيه فينعكس الحال، ولا يعول همهم، ويكون همه الآخرة (١)، فيكفيه (٢) الحق سبحانه هم الدنيا والآخرة، كما جاء في الأخبار المتواترة: يا عبد الله، إذا كان المخلوق أبخل البخلاء، وإذا استخدم أحدًا أطعمه، أفتخدم مولاك (وهو خالق الكرم) (٣) ويتركك؟! أيشبع الكافر وتجوع؟! أتكون في دار الضيافة وتضيع؟! الدنيا داره وأنت فيها كالضيف الراحل عن أيام قلائل، وقد وصانا الحق سبحانه بإكرام الضيف. والمولى الجليل هو أولى بهذا الخلق الجميل، وكان بعضهم يقول: اللهم إن كنت أعول همًّا غير هَمِّ الآخرة، فلا تؤمنِّي منه (٤).

أين ذهب عقل من شُغل بهمِّ الدنيا عن هموم الآخرة؟ شغله همُّ ما يفنى، عن همِّ ما يبقى، فمثله كمثل من جاءه أسد ليفترسه، فشغل عنه بضرب (٥) هرٍّ.

فالعاقل المصيب همُّه ما فاته من الحبيب، لكي لا يعامله (٦) الله تعالى بالوفاء ويعامله هو بالمخالفة والجفاء، فعجبٌ لمن يعصى حبيبًا محسنًا بعد معرفته بأياديه وإحسانه، ويطيع عدوًّا لعينًا بعد معرفته بعداوته وطغيانه.

اعلم رحمك الله! أن لله عبادًا غيرك لا يعلمهم إلا الله تعالى كما قال سبحانه: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾ [المدثر: ٣١] وقال تعالى: ﴿وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٨] وأنت ليس لك رب غيره، وهو يربيك كأنه ليس له عبد سواك، وأنت تعرض عنه، كأن لك ربًّا غيره يحرسك في ليلك ونهارك من الجن، والشياطين، والحشرات، ومن جميع


(١) في (خ): فلا تقول همهم فيكون همك الآخرة.
(٢) في (خ): فيكفيك.
(٣) ليست في (خ، ط).
(٤) ذكره ابن الجوزي في «صفة الصفوة» ٢/ ١٢٢ - ١٢٣ من كلام عمر بن عبد العزيز ولفظه: كل يوم أخافه دون يوم القيامة فلا وقاني الله شره.
(٥) في (خ): بصوت.
(٦) في (خ): عامله الحق.

<<  <  ج: ص:  >  >>