للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم اعلم بأن الخير كله في جمع القلب على الله تعالى، والشرَّ كله في التفرقة عنه، والجلوس بغير حاجة في أبواب الحارات والأسواق أو الطرق والدروب؛ ففي ذلك تفرقة للقلوب، ولا ترضي علام الغيوب.

وقد أفتى الشيخُ محيي الدين النَّواويُّ (١) لسائل سأله: هل الانقطاع في برية أو قرية أفضل، أم الإقامة في المدن لأجل حضور الجماعة والجمعة، وأعياد المسلمين وشعائرهم، وحلق ذكرهم أفضل؟ فقال : أي مكان رأيت نفسك انجمعت فيه على الله تعالى، فالإقامة فيه أفضل: (في البرية أو القرية أو المدينة) (٢). فإن خاف الضرر على دينه في المدينة لا يسكنها، فإن أمن فسكنى المدينة أفضل؛ (لشهود ما تقدم ذكرهم، وحينئذٍ) (٣) لا يجالس من يخاف منه ضررًا في دينه لبدعته، أو لترغيبه في الدينا وشهواتها، أو يغتاب عنده مسلمًا أو (٤) غير ذلك من المفاسد: كمجالسته من تتحلى النفس بمجالسته، لعلو مرتبته أو لحسن صورته، وذلك من أنحس المقاصد.

فقد تبين لك أن (الجمع هو الأصل في العبادات) (٥)، فما فات السالك الوصول إلا لتضييعه الأصول، فمتى حصلت العبادة، ولم يحصل معها الجمع، فإنما هو من عدم صدق، أو مرض في القلب، أو بدعة، أو عدم أدب، أو عجب ورياء، أو كبر. قال المولى: ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ [الأعراف: ١٤٦] فاعتبروا يا أولي الألباب بإبليس: كيف صيَّره الله سبحانه عدوًّا لأجل تكبره، وصرفه عن درجة


(١) هو العلامة الفقيه المحدِّث أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري بن حسن الحزامي الحوراني النووي الشافعيُّ (٦٣١ - ٦٧٦ هـ) ، مولده ووفاته في نوا من قرى حوران، بسورية وإليها نسبته. من مؤلفاته الشهيرة: «رياض الصالحين»، و «شرح صحيح مسلم»، و «الأذكار».
(٢) ليست في (ق).
(٣) في (ق): و.
(٤) في (خ): و.
(٥) في (خ): الأصل في العبادات هو الجمع.

<<  <  ج: ص:  >  >>