للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كشف لبعض الصالحين فرأى الدنيا في صورة جيفة، ورأى إبليس في صورة كلب، وهو جاثم عليها، ومنادٍ ينادي من فوق: أنت كلبٌ من كلابي، وهذه جيفة من خلقي، وقد جعلتها نصيبك مني، فمن نازعك شيئًا منها فقد سلَّطتك عليه (١).

ويفهم من قوله: من نازَعك شيئًا منها: أي من الدنيا. وأما الحاجة فليست من الدنيا؛ لما جاء في الإسرائيليات أن موسى عرضت له حاجة، فقصد صديقًا له، فلم يقرضه شيئًا، فرجع مهمومًا، فأوحى الله إليه: كنت تطلب حاجتك مني؟ قال موسى: يا رب علمت مقتك للدنيا، فاستحييت منك أن أطلب شيئًا منها؛ فتمقتني، فأوحى الله إليه: يا موسى، الحاجة ليست من الدنيا (٢). قال الله تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [آل عمران: ١٤]، فمن أحب هذه السبعة فقد أحب الدنيا كلها، ومن أحب شيئًا منها فقد أحب بعضها، ومتى كانت الحاجة داعية إلى شيء منها فليست من الدنيا. وكان عيسى ابن مريم والسلف الصالح يسمون الدنيا: خنزيرة! (٣) ولو وجدوا لها اسمًا شرًّا من ذلك لسموها به.

وفي الحديث عن النبي : «لتأتينكم من بعدي دنيا تأكل أديانكم كما تأكل النار الحطب» (٤) وفي حديث آخر: «إن لكلِّ أمةٍ فتنةً، وفتنةُ أمتي المال». قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح (٥)، وفي خبر آخر: «إنما


(١) انظر «قوت القلوب» لأبي طالب المكي ١/ ٤٠٦.
(٢) لم أقف عليه.
(٣) أخرجه أبو نعيم في «الحلية» ٥/ ٢٣٥ من كلام يزيد بن ميسرة.
(٤) ذكره الغزالي في «إحياء علوم الدين» ٣/ ٢٠٦، وقال العراقي في «تعليقه على الإحياء»: لم أجد له أصلًا.
(٥) أخرجه أحمد في «مسنده» ٤/ ١٦٠ (١٧٤٧١)، والترمذي في «جامعه» (٢٣٣٦) من حديث كعب بن عياض .
قال الترمذي: هذا حديث صحيح غريب. وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (٥٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>