للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيئًا من هذا؛ ولذلك قالوا: لا تقل للمحب فيما يحب إلا ما يحب، ألا ترى إلى هذا القليل السعادة كيف يقول للدنيا: إن الدنيا ليست بشيء، ولا يزداد فيها إلا محبة وإرادة، فيخالف قولُه فعلَه (١)، ويصير ممقوتًا عند عالم الغيب والشهادة.

فلا تتعب أيها المؤمن نفسك معه، فهو عالمٌ بما تقول له وزيادة؛ لأن الدنيا لم تُبق له سمعًا يسمع به الحكمة من أهل الله تعالى المخصوصين بالاصطفاء والسعادة. وقد جاء في الحديث: «لا تُلقوا الحكمةَ على غير أهلها فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم» (٢)، فلا تخالف الحديث؛ فهو لا يسمع منك أبدًا، قال المولى: ﴿وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا﴾ [الكهف: ١٧].

هل رأيت محبًّا يفارق محبوبه؟! فتراه غافلًا في مكان اليقظة، وفي موضع أسبغ الحق سبحانه على الطائفين والعاكفين والمصلين والناظرين فضله وإنعامه؛ يطوف بقالبه وقلبه يذكر ماله وأنعامه، قد أعرض في طوافه عن ذكر مولاه، وشغل غيره ونفسه بذكر دنياه، فمثله كمثل من أهدى لسيده دُرًّا ثم أخلط فيه بعرًا؛ فبئس ما قدمت يداه، فإن نصحه النُصَّاح لم يقبل (٣) وقال: هذا أمرٌ مباح. ولا يعجبه إلا ذكر الدنيا، ومن ذكر محبوبه استراح، قد فتح على نفسه أبواب الدنيا والرُّخَص فأسكراه؛ فلا تراه قط صاحٍ.

(وهذه الأحوال من بعض صفات المؤلف لهذا الكلام) (٤)، فسبحان من يظهر الجميل، ويستر الذنوب القباح، ونسأل الله تعالى لنا ولجميع المسلمين اليقظة وحسن الخاتمة، وأن يجعلنا من أهل الدين والخير


(١) في (خ، ب): وفعله.
(٢) جزء من حديث طويل أخرجه عبد بن حميد في «مسنده» (٦٧٥)، والحاكم في «المستدرك» ٤/ ٢٧٠.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح. وتعقبه الذهبي بقوله: هشام بن زياد متروك.
(٣) في (ط): ينس.
(٤) ليست في (ق).

<<  <  ج: ص:  >  >>