للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فترى الصادق في محبة الدنيا إن دخلت عليه فرح غاية الفرح، وأقبل على نفسه، وأخذ في البناء والعمارة، فيبني الدار لغيره، ويرضى لنفسه بفقر الآخرة والخسارة، وكم رئي من إنسان بنى دارًا ليسكنها صارت قبره، وربما زخرفها لزوج امرأته وداره خراب، وغرس غروسًا لعدوه، وعليه الحساب، فليته لا بنى ولا غرس.

أمر الخليفة هارون الرشيد أو غيره ببناء قبة في وسط لجة (ماء، وأجرى المهندسون الماء من أسفل القبة إلى أعلاها) (١)، وصار الماء يتفجر من (فوقها، ويُرى (٢) من داخلها) (٣)، فلما فرغ من عمارتها دخلها الخليفة فأعجبته، فنام (في ظلها، فسمع قائلًا يقول له في منامه) (٤):

أتبني بناء الخالدين وإنما … مقامك فيها لو عقلت قليل

لقد كان في ظل الأراك كفاية … لمن كل يوم يعتريه رحيل

فمات ذلك الخليفة بعد جمعة (٥).

فيا حسرة عبد يعتد لصيفه وشتائه ولما يهواه، ولا يتجهز للقاء سيده وخالقه ومولاه، فيترك زاد التقى مع علمه بقرب الرحيل، وقلة البقاء؛ فترى عمر الغافل منهوبًا قد أسكره حب الدنيا، فابتلي بالغفلة وما حصَّل مطلوبًا، وأهل اليقظة تفرقوا عن جميع الكائنات وانجمعوا على المحبوب، فطاب عيشهم وحصل لهم المطلوب. قال قائلهم:

كانت لقلبي أهواءٌ مفرقة … فاستجمعت مذ رآك القلب أهوائي

فصار يحسدني من كنت أحسده … وصرت مولى الورى مذ صرت مولائي

انظر رحمك الله! إلى أوصاف إخوانك المؤمنين، فترى أحدنا


(١) ليست في (ق).
(٢) في (ب): ويجري.
(٣) في (ق): جوانبها.
(٤) في (ق): فيها فسمع منشدًا ينشد.
(٥) تقدمت هذه الحكاية، وذكرنا مصدرها هناك.

<<  <  ج: ص:  >  >>