للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تطهَّر مما تقدم ذكره من الدَّنس يحظَى بمدد الله تعالى في كل نفس. وقد جاء في الحديث الصحيح: أن الله لما خيَّر نبيه بين الفقر والغنى، اختار الفقر على الغنى (١)، فلو كان في الكثرة خير لاختاره نبينا ، ولذلك قال علماء الحنفية: من لا يأخذ ولا يعطي أفضل ممن أخذ وأعطى (٢).

أتظن أيها المؤمن أن النبي جهل الاختيار لنفسه؟ فمن اتبعه من أمته حُشر معه، وحصل له الخير والمنى، فابْكِ على نفسك أيها المغتر بالدنيا، والسابق للبكاء أنا، قال المولى الغفور: ﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ [لقمان: ٣٣]. فاصغ لهذا الخطاب، واسأل الله العمل به (أيها العبد المرتاب) (٣)، قال : «ما زال ربي معرضًا عن الدنيا وعمن غرَّقه فيها إلى يوم القيامة» (٤)، وقال المولى: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٢٩)[النجم: ٢٩]. فإذا ثبت أن الله قد أعرض عن الدنيا وقد أعرض النبي عنها، وعن من أقبل عليها فكيف يفلح أو ينجح من قد شغل كله ببعضها، وقد أطال النظر إليها؟ كما قال بعضهم (ما يناسب هذا القول) (٥):

إذا كان شيء لا يساوي جميعه … جناح بعوضة عند من أنت عبده

تملَّك (٦) جزءٌ منه كلك ما الذي … يكون غدًا في الحشر قدرك عنده


(١) أخرجه أحمد في «مسنده» ٢/ ٢٣١ (٧١٦٠)، وابن حبان في «صحيحه» (٦٣٦٥) من حديث أبي هريرة قال: جلس جبريل إلى النبي ، فنظر إلى السماء، فإذا ملك ينزل، فقال جبريل: إنَّ هذا الملك ما نزل منذ يوم خلق قبل الساعة، فلما نزل قال: يا محمد، أرسلني إليك ربك، قال: أفمَلِكًا نبيًّا يجعلك أو عبدًا رسولًا؟ قال جبريل: تواضع لربك يا محمد. قال: «بل عبدًا رسولًا». وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (١٠٠٢).
(٢) لم أقف عليه.
(٣) ليست في (ق).
(٤) لم أقف عليه.
(٥) ليست في (ق).
(٦) في (خ): واشغل.

<<  <  ج: ص:  >  >>