للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واسمع قوله تعالى: ﴿يَاعِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٦٨)[الزخرف: ٦٨]. فالدنيا طريق نصب، فيه آدم نصب، وفيه ناح نوح وما استراح، وعُرض الخليل على النار للاختبار، وفقد يعقوب بصره، وابتُلي بالرق يوسف، ونُشر بالمنشار زكريا، وذُبح يحيى، وابُتلي بالبلاء أيوب، وبكى حتى نبت العشب من عبرته داود، وتكدر عيش سليمان في ملكه، ورعى موسى الغنم من أجله، وهام في البراري عيسى ابن مريم، وعالج النبي المختار الفقر، مع حمل أذى الكفار، وعلى جميع الأنبياء، وعلى أتباعهم السادة الأخيار، صلاةً دائمة إلى يوم القرار.

فترى أحدنا قد أُعمي قلبه بحب الدنيا، لا يعمل إلا على راحة نفسه، ولا بد من المخالفة للمولى الكريم، ويطلب من قلة حيائه أن يكون مع أنبياء الله تعالى وأوليائه في جنات النعيم، وقد أجمع العلماء والحكماء أنه لا يدرك نعيم بنعيم.

وقيل: إن إبراهيم بن أدهم أراد أن يدخل الحمام، فمُنع من الدخول، فبكى وقال: اللَّهم لا يُؤذَن لي بالدخول إلى بيت الشيطان مجانًا (١)، فكيف يؤذن لي بالدخول إلى بيت النبيين والصديقين مجانًا؟! (٢) وكانت رابعة تقول:

ما بالُ دينك ترضى أن تدنِّسه … وثوبك الدهر مغسولٌ من الدَّنَس

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها … إن السفينة لا تجري على اليبَس (٣)

وقول هذه السيدة يناسب قولَه : «الكَيِّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله». وسبب هذا الحديث أن رجلًا مُدِحَ بين يدي النبي بالكياسة، قال لهم: «الكيِّس من دان نفسه … » الحديث، هذا سببه (٤)، ومعناه والله أعلم: أي لا يعمل العبد


(١) في (خ): نجانا الله منه.
(٢) انظر تفسير «روح البيان» ٤/ ١٨٤.
(٣) انظر تفسير «روح البيان» ٢/ ٩٧.
(٤) سلف هذا الحديث وذكرنا مصادره من حديث شداد بن أوس ، وإسناده ضعيفٌ، وليس فيه بيان السبب الذي ذكره المؤلف ، لكن ورد في حديث آخر:
أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (١٠٥٤٥) من طريق محمد بن يونس الكديمي، قال: حدثنا عون بن عمارة العبديُّ، قال: حدثنا هشام بن حسان، عن ثابت، عن أنس بن مالكٍ قال: جاءت بي أم سُليمٍ إلى النبيِّ فقالت: يا رسول الله! خادمُك أنسٌ، فادع له، وهو كيِّسٌ، وهو عارٍ يا رسولَ الله، فإن رأيتَ أن تكسوه رَازَفَيْتَيْنِ يَسْتَتِرُ بهمَا؟ فقال رسول الله : «الكيِّس من عمل لما بعد الموت، والعاري العاري من الدين، اللهم! لا عيش إلَّا عيشَ الآخرة، اللهم اغفر للأنصار والمهاجرة».
وهذا إسناد ضعيف جدًّا أو موضوع، محمد بن يونس الكديمي متروك الحديث، اتُّهم بوضع الحديث. (ت)

<<  <  ج: ص:  >  >>