للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأن القبض هو وطن العبد؛ إذ هو في أسر قبضة الله تعالى، ومن أن يكون للعبد البسط؛ لأنه خروج عن حكم وقته، والخوف أليق بحكم هذه الدار؛ لأنها موطن التكليف، وإبهام الخاتمة، وعدم العلم بالسلامة، والمطالبة بالوفاء، وأن لا يخرج العبد عن طريق النبي المصطفى، وعن طريق أصحابه أهل الخير والجود والوفاء.

قال بعض الصوفية: رأيت شيخي بعد موته في المنام مقبوضًا، فقلت له: يا أستاذ، ما لك مقبوضًا؟ قال: يا بني، القبض والبسط مقامان؛ من لم يوفهما في الدنيا، وفاهما في الآخرة. وكان هذا الشيخ الغالب عليه في حياته البسط، وأنشد بعضهم يقول:

عجبتُ لمن يدوم له السرورُ … ويعلم أن مسكنه القبور

ومن يمسي ويصبح في أمانٍ … وموعده القيامة والنشور

وقال بعض المشايخ: بلغني أن الإنسان خلق أحمق، ولو لم يكن كذلك ما هنئ له العيش (١).

قال المؤلف: لأنَّ الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر كما جاء في الحديث (٢)، ولا يجد الراحة المسجون، ومن عادة المسجون أن يحدق بعينيه ويصغي بأذنيه متى يُدعى، فيجيب. وفي حديثٍ آخر: لا راحة للمؤمن دون لقاء ربه (٣).

فاعمل رحمك الله! على الراحة الطويلة، فلذلك فليعمل العاملون،


(١) أخرجه ابن أبي الدنيا في «قصر الأمل» (٢٦) من كلام الثوري رحمه الله تعالى.
(٢) أخرجه أحمد في «مسنده» ٢/ ٣٢٣ (٨٢٨٩)، ومسلم في «صحيحه» (٢٩٥٦)، وابن ماجه في «سننه» (٤١١٣)، والترمذي في «جامعه» (٢٣٢٤) من حديث أبي هريرة .
(٣) أخرجه أحمد في «الزهد» (ص ١٥٦) موقوفًا على ابن مسعود .
وقال الألباني في «السلسلة الضعيفة» (٦٦٣): لا أصل له مرفوعًا، وهو صحيح عن ابن مسعود .

<<  <  ج: ص:  >  >>