للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودخل المزني على الشافعي في مرضه الذي مات فيه، وقال له: كيف تجدك يا إمام؟ قال: أصبحت من الدنيا راحلًا، ولإخواني مفارقًا، ولسوء أعمالي ملاقيًا؛ فما أدري هل أنا من أهل الجنة فأهنَّى أم من أهل النار فأعزَّى (١)، ثم أنشد يقول:

أسفي أموت وليس لي … عملٌ به نفسي تطيب

والغبن أني راحلٌ … ما لي من التقوى نصيب

وقال محمد بن يوسف: تأملت سفيان ليلةً بكى حتى أصبح، فقلت: أتبكي على الذنوب؟ قال: لا، بل خوفًا أن أسلب الإيمان (٢).

وكان إبراهيم بن أدهم لا يزال مهمومًا، فقيل له في ذلك، قال: كيف نأمن وإبراهيم الخليل يقول: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾ [إبراهيم: ٣٥]، ويوسف الصديق يقول: ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ [يوسف: ١٠١]؟! (٣).

وقال إمام الحرمين: إذا سمعت أخبار الكفار في النار وخلودهم فيها فلا تأمن على نفسك، فإن الأمر على خطر، فما تدري ماذا يكون من العاقبة؟ وماذا سبق في حكم الغيب؟ فلا تغترَّ بصفاء الأوقات، فإن تحتها غوامض الآفات (٤).


(١) أخرجه البيهقي في «الزهد الكبير» (٥٧٥) دون ذكر الشِّعر.
(٢) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وأخرج أبو نعيم في «الحلية» ٧/ ١٢ عن عبد الرحمن بن مهدي قال: مات سفيان الثوري عندي، فلما اشتد به جعل يبكي، فقال له رجل: يا أبا عبد الله، أراك كثير الذنوب، فرفع شيئًا من الأرض فقال: والله لذنوبي أهون عندي من ذا، إني أخاف أن أسلب الايمان قبل أن أموت.
ومن طريق أبي نعيم أخرجه ابن الجوزي في «الثبات عند الممات» (ص ٨١) بنحوه.
(٣) لم أقف عليه.
(٤) ذكره المناوي في «فيض القدير» ١/ ٤٥٦، ولم يذكر مصدر النقل عن إمام الحرمين، وهو أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجُوَيْني (٤١٩ - ٤٧٨ هـ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>