للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد جاء في الحديث أن بعض الناس يجد شرب الخمر في صحيفته، وما شرب، (ويجد الزنا وما) (١) زنا، فيقول: يا رب، ما هذا وأنت الحكم العدل؟ لم أفعل هذا! فيقال له: ولكن اغتبت من عمله. وآخر يعطى كتابه بيمينه، فيجد فيه الحج والجهاد والصوم والصدقة وغير ذلك من أفعال البر، فيقول: يا رب، ما فعلت شيئًا من ذلك، وليس هذا كتابي. فيقول الله تعالى: حصل لك هذا الأجر من غيبة الناس لك (٢).

فالحذر كل الحذر من ظلم من لم تملك التحلل منه، مثل: غيبة ميت، أو ظلم البهائم، أو أن تزني بامرأةٍ لا يمكنك التحلل من زوجها وأهلها، أو بامرأة جارك؛ فيكونوا خصماؤك يوم القيامة.

قال يحيى بن معاذ: ليكن حظ المؤمن منك ثلاث، فتكون من المحسنين: أحدها: إن لم تنفعه فلا تضره. الثاني: إن لم تسره فلا تغمه. الثالث: إن لم تمدحه فلا تذمه (٣).

وسئل عمر بن عثمان: ما الكرم؟ قال: التعامي عن زلل الإخوان (٤).

فيجب على المسلم أن لا يتجسس على عيوب مسلم وعثراته، فإن الله آخذ بيده كلما عثر، ولا يثبت نفسه ويمحو غيره؛ ليكون رأسًا، فيستوجب الغضب، ويلقي نفسه للمهالك والعطب؛ لأن آفات الرأس كثيرة.

فالمؤمن الصالح قليلٌ بنفسه، كثيرٌ بأخيه، هذا طريق القوم، به إلى الله تعالى وصلوا، وتحت كنفه الكريم نزلوا، فقد بانت الطريق، أين السالكون؟ وعُرضت السلعة، فأين المشتري؟ وهذه المنازل، فأين النازل؟ فكم أنوح ولا نائح، وكم أزمزم ولا متحرك!

اعلم رحمك الله! أن الحيَّ يؤلمه نَخْزُ إبرة (٥)، والميت لا يتألم ولو قطع بالسيوف، كما قال بعضهم:


(١) في (خ): ولا. وفي (ب): والزنى ولا.
(٢) لم أقف عليه.
(٣) أخرجه الخطيب في «الزهد» (٩١) به.
(٤) لم أقف عليه.
(٥) نخز: نَخَزْتُ الرجلَ وغيرَه: وجَأتُهُ وجئًا بحدٍّ. وبكلام: أوجعته.

<<  <  ج: ص:  >  >>