للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وافتراشها، وأباحه الأكثرون (١)، واختلفوا أيضًا في طرز الذهب: فجوزه


= قال أبو عمر: هذا كله خلاف ما في موطئه عن عائشة: أنها كست عبد الله بن الزبير مطرف خز كانت تلبسه. وقد روي عن مالك أنه لبس الخزَّ، وما أظنه الصحيح عنه - والله أعلم - والصحيح عنه ما ذكره الدولابي، عن الزبير بن بكار، قال: حدثني مطرف بن عبد الله، قال: كان مالك بن أنس يلبس الثياب العجمية ويستجيدها. وقد ذكرنا جماعة ممن لبس الخزَّ من السلف الصالح فيما تقدم من كتابنا هذا، وذلك كله يشهد لما قاله ابن عباس في الحرير الذي حرمه رسول الله على الرجال.
والدليل على ذلك أيضًا أن عبد الله بن الزبير كان يلبس الخز، ويحرم لباس الحرير والصرف الخالص. وروى شعبة عن أبي ذبيان خليفة بن كعب، قال: سمعت عبد الله بن الزبير يخطب فقال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت رسول الله يقول: «لا تلبسوا الحرير؛ فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة». وقال أبو نعيم وهب بن كيسان: رأيت سعد بن أبي وقاص، وجابر بن عبد الله، وأبا هريرة، وأنس بن مالك يلبسون الخزَّ.
وروى عمار بن أبي عمار قال: قدمت على مروان مطارف خزٍّ فكساها أصحاب رسول الله ، فكأني أنظر إلى أبي هريرة وعليه منها مطرف أغير، وكأني أنظر إلى طرف الإبريسم فيه.
وقال بسر بن سعيد: رأيت على سعد بن أبي وقاص جبة شامية، قيامها قزٌّ، ورأيت على زيد ابن ثابت خمائص معلمة. وهذا كله يدل على أن الخز الذي كانوا يلبسونه كان فيه الحرير، وروي عن ابن عمر أن الخزَّ الذي كانوا يلبسونه لم يكن فيه حرير. وكان مالك يعجبه مذهب ابن عمر وورعه، ولذلك كان يكره لباس الخز. ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثني معتمر بن سليمان، عن حميد، قال: سئل أنس عن الحرير قال: أعوذ بالله من شرِّه، كنا نسمع أن من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة. وحدثني أبو معاوية، عن سعيد، عن قتادة، عن داود السراج، عن أبي سعيد الخدري، قال: من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة. قال: وحدثني معمر، عن يونس، عن الحسن أنه كان يكره قليل الحرير وكثيره.
وهذا كله حجة لمالك ومن تبعه. وأما الشافعي فأباح لباس قباء محشو بقز؛ لأن القز باطن، فكأن الملبوس عنده المكروه من الحرير ما كان ظاهرًا - والله أعلم - لأن الأصل في الكراهة الواردة في الشبهة بِزِي الأعاجم والشهرة بذلك، والله أعلم.
(١) قال ابن قدامة في «المغني» ١/ ٨٦: فأما جلود السباع فقال القاضي: لا يجوز الانتفاع بها قبل الدبغ ولا بعده. وبذلك قال الأوزاعي، ويزيد بن هارون، وابن المبارك، وإسحاق، وأبو ثور. وروي عن عمر وعلي كراهة الصلاة في جلود الثعالب، وكرهها سعيد بن جبير، والحكم، ومكحول، وإسحاق. وكره الانتفاع بجلود السنانير: عطاء، وطاوس، ومجاهد، وعبيدة السلماني. ورخص في جلود السباع جابر، وروي عن ابن سيرين وعروة أنهم رخصوا في الركوب على جلود النمور، ورخص فيها الزهري. وأباح الحسن، والشعبي، وأصحاب الرأي الصلاة في جلود الثعالب؛ لأن الثعالب تفدى في الإحرام فكانت مباحة؛ ولما ثبت من الدليل على طهارة جلود الميتة بالدباغ.

<<  <  ج: ص:  >  >>