للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خليع) (١) وبين يديها طبق فيه نخالة وكسر يابسة وهندبا (٢) بائتة، وهي تخرج الكسر اليابسة من النخالة وتأكلها بتلك الهندبا، فبكى تلميذ الحسن، فقالت له: ما يبكيك؟ فقال: مثلك في يوم عيد هذا نومها وهذا غطاؤها وهذا غذاؤها! فقالت: يا هذا، وما يوم العيد عندكم؟ فقال: يومٌ يَترَفَّهُ فيه الناس. فقالت: يا هذا، ذلك عِيدُ الغافلين في الدنيا، العيد لمن غفر له المولى. فخرج من عندها وذكر ذلك لبعض جيرانها، وكان من الأغنياء فقال: إنها لا تقبل مِنَّا شيئًا، فإن قبلت مني شيئًا على يديك شكرت سعيك. فقال: هات. فأعطاه خرقة فيها مائة دينار، فأخذها ووضعها بين يديها، فقالت: ما هذه؟ فقال: مائة دينار من جارك فلان. فقالت: أَوَ قَدْ أعلمته بما رأيت؟ أهكذا علَّمَك الحسن؟! مثلك من يستأمنه الناس على أسرارهم؟! خذها وأعدْها لصاحبها، وقل له لا ينغص عليَّ عيدي، ولا تَعُد تدخل عليَّ (٣).

فانظر إلى قول هذه السيدة: العيد لمن غفر له المولى. هو والله العيد الكبير، كما قيل لبعض الرهبان: متى عيد هذا الدير؟ قال: إذا غُفر لأهله (٤). ليس العيد لمن أكل الطعام اللذيذ، ولبس الثوب الجديد، وعصى المولى المجيد، وافتخر بما أوتي من المال والجاه والعبيد.

قال بعض المحبين شعر:

الناس بالعيد قد سروا وقد فرحوا … وما سررت به والواحد الصمد

لمَّا تخوفت أني لا أعاينكم … غضضت طرفي فلم أنظر إلى أحد

وقال بعض العارفين: العيد لمن حظي بالأجر والثواب، لا لمن تجمَّل بالملابس والثياب. وأنشدوا:


(١) ليست في (ق)، وفي (ب): وعليها قدر ثمة صوف خلق.
(٢) هِنْدَبٌ وهِنْدَبا وهِنْدَباة: بَقْلَة.
(٣) لم أقف عليه، وهذا السلوك مخالف للسنة النبوية.
(٤) لم أقف عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>