للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مأربهم، مدفوعين على أبوابهم، فترى أحدهم يتزين كما تتزين العروس؛ يجتهدون في إصلاح ظواهرهم، وهم عن إصلاح بواطنهم (١) غافلون، ولقد وسمهم الحق وسمةً كشف بها عوراتهم، وأظهر أخبارهم، فبعد أن كانت نسبته أن لو صدق مع الله تعالى أن يقال فيه: عبد المولى القدير. فأخرج عن هذه النسبة لعدم صدقه، فصار يقال له: شيخ الأمير. أولئك المبعدون عن باب الله، الصادون العباد عن صحبة أولياء الله بما يشهده العموم منهم، يظنون ذلك على كل منتسب إلى الله تعالى، فهم حجُب أهل التحقيق، وبعداء من الخير والتوفيق، ألسنتهم منطلقة بالدعوى، وقلوبهم خالية من التقوى، ألم يسمعوا قول المولى: ﴿لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٨] أترى إذا سأل الصادقين أيترك المدعين أو الكاذبين بغير سؤال؟! فقد أظهروا زي الأولياء والمقبلين، وأفعالهم أفعال المعرضين، فظواهرهم صالحة، ولم يشموا للخير (٢) رائحة، وأنشد بعضهم (٣):

أما الخيام فإنها كخيامهم … وأرى نساء الحي غير نسائها

لا والذي حجَّت قريش بيته … مستقبلين الركن من بطحائها

ما أبصرت عيني خيام قبيلةٍ … إلا بكيت أحبتي بفنائها (٤)

ثم اعلم بأنك لا تقدر في هذا الزمان على الأمر بالمعروف وقيام الحق، ولا تهون نفسك عليك بالضرب أو السب أو الحبس، فلا تتهم نفسك على منزلة لا تقدر عليها.

فإن قيل: لا بد لنا من الاجتماع بالناس للبيع والشراء، وما يُحتاج إليه من الأسباب؛ نعم، لكن تدخل معهم مشمرًا عن ساعديك، كما تدخل في الوادي الكثير الحيات، وقل: ربِّ سلِّم، ربِّ سلِّم. واسمع قوله تعالى:


(١) في (خ): سرائرهم.
(٢) في (خ، ب): للفقر.
(٣) في (خ، ب): كما قيل.
(٤) هذه الفقرة من قوله: (فاعلم رحمك الله … ) إلى هنا: نقلها المؤلف من «التنوير في إسقاط التدبير» لشيخه ابن عطاء الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>