للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بغير دين (١)؛ لأنه ترك واجبًا، ورضي بالفاحشة، ومن رضي بالفاحشة كمن فعلها، ويقع سكوته تزكيةً لعملهم ولضلالتهم، وطلبًا لرضاهم، وتعظيمًا لدنياهم، ومن عظَّم حقيرًا فهو حقير عند الله تعالى.

قال الفضيل: لو أن رجلًا لا يأتي هؤلاء يعني السلطان ولا يزيد على الفرائض، هو أفضل من رجلٍ يخالط السلطان ويصوم النهار ويقوم الليل (٢).

وفي الخبر: «العلماء أمناء الرسل ما لم يخالطوا السلطان ويدخلوا في الدنيا، فإذا فعلوا ذلك ودخلوا في الدنيا فقد خانوا الرسل عند ذلك؛ فاعتزِلوهم واحذروهم» (٣).

قال الشيخ أبو العبَّاس رحمة الله عليه: ما رأيت العز إلا في رفع الهمة عن الخلق (٤).

فاعلم رحمك الله أن رفع الهمة عن الخلق هو ميزان الفقراء، وأحوال الرجال، وكما توزن الذوات كذلك توزن الأحوال والصفات: ﴿وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ﴾ [الرحمن: ٩] فيظهر الصادق بصدقه، والمدعي بكذبه ومَذْقه (٥). ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ [آل عمران: ١٧٩]. وقد ابتلى الله تعالى بحكمته الفقراء الذين ليسوا بصادقين، بإظهار ما أخفوا من الرغبة وأسرُّوا من الشهوة، فطرحوا أنفسهم لأبناء الدنيا مباسطين لهم، موافقين لهم على


(١) في (ط): دينه.
(٢) لم أجده.
(٣) أخرجه ابن الجوزي في «الموضوعات» ١/ ٢٦٢، وذكره الديلمي في «مسند الفردوس» ٣/ ٧٥، والغزالي في «الإحياء» ٢/ ١٤٢، وإسماعيل حقي في «روح البيان» ٤/ ١٢٥ من حديث أنس، قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح عن رسول الله. وقال الألباني في «الضعيفة» (٢٦٧٠): ضعيف.
(٤) ذكره ابن عجيبة الإدريسي في البحر المديد ٨/ ٧٥، وإسماعيل حقي في روح البيان ٩/ ٣٧٤.
(٥) رجل مَذَّاقٌ: كَذُوب. «لسان العرب» مادة: مذق.

<<  <  ج: ص:  >  >>