للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتعجلوا عيشًا هنيئًا طيبًا … وتبوءوا دار السلام مقيلا

طرق الفضيل بن عياض الباب على داود الطائي، قال: من؟ قال: أخوك الفضيل جئت لزيارتك. فلم يفتح له الباب، وقال: تؤخر الزيارة للآخرة، طاعة الرحمن أحب إليّ من زيارة الإخوان، فصار داود يبكي من داخل، والفضيل يبكي من خارج (١).

انظر رحمك الله! إلى أولياء الله تعالى كيف آنَسَهم به حتى استوحشوا من غيره، فمن انتسب إليهم أو إلى العلماء ثم أكثر التردد إلى الأغنياء والأمراء فقد رضي بالدنيا، وما نال منهم وطرًا.

صحب صوفيٌّ بعض الأمراء وانجمع عليه، فعرضت للصوفي حاجة ضرورية، فسأل الله أن يقضي حاجته، فسمع قائلًا يقول له: اطلب حاجتك من: ﴿إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً﴾ [طه: ٩٧] (٢).

فمن انتسب إلى العلماء والأولياء، وعلى هذه الآفات أقام، كمن قال: ربي الله وما استقام. ونسأل الله تعالى الاستقامة والأمن من فزع يوم القيامة.

قال أميرٌ لفقير يعرفه: ما يمنعك من المجيء إليَّ؟ قال الفقير: أنتم دنياكم تمنعكم من المجيء إلينا، ونحن آخرتنا تمنعنا من الرواح إليكم.

والذي بلغنا عن ساداتنا أن أحدهم كان يفر من الملوك والأمراء كما يفر الرجل من الأسد، ولا ينظرون إليهم ولا لأبنيتهم، وربما صادف أحدهم أميرًا فيحول وجهه إلى الحائط؛ خوفًا على قلبه أن يتمتع بالنظر إليه فيبتلى بالعمى، وهؤلاء القوم كانت لهم قلوب منورة، خافوا عليها من العمى، ومن أعمى الله تعالى قلبه فمن أي شيء يخاف؟! وإذا دخل أحد من العلماء أو الفقراء على الأمير ولم ينهه عن كل بدعة رآها فقد خرج عن طريق سيد المرسلين، والخلفاء الراشدين، والعلماء الموحدين، فيدخل بدينه ويخرج


(١) لم أجده.
(٢) لم أجده.

<<  <  ج: ص:  >  >>