للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك عمر، فاغتنمه في إزعاجهم من جزيرة العرب، فجاءوا إلى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وقالوا: يا أبا الحسن، هذا كتاب صاحبكم خطُّك، وفيه شهادة أصحابك، أنشدك الله، كتابك بيدك، وشفاعتك بلسانك، حتى تردنا إلى نجران، ولا تزعجنا عن الأوطان. قال علي : (دعوني فإن) (١) عمر رشيد الأمر، سديد الرأي. قال سالم بن الجعد: وهم أربعون ألف مقاتل. فجاؤوا إلى عمر، وقالوا: قد اصطلحنا، فأقلنا. فقال: والله لا أُقيلكم أبدًا. فأخرج فرقة إلى الشام وفرقة إلى ديار مغرب (٢).

قال العلماء في تفسير قوله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [الإسراء: ٢٣] إلى قوله تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: ٢٤]. نسخ منها الدعاء لهما بالرحمة إذا كانا كافرين.

وكان في ابتداء الإسلام يجوز الدعاء للمؤمن والكافر من الآباء والأمهات؛ لما روي أنَّ النبي قال لأصحابه لما أنزل الله تعالى حاكيًا عن إبراهيم : ﴿وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ﴾ [الشعراء: ٨٦]: «هلموا بنا فلنذهب إلى قبور آبائنا وأمهاتنا فنستغفر لهم؛ فإن إبراهيم قد استغفر لأبيه». فتفرقوا كلٌّ يدعو لأبيه ولأمه على قبره فأنزل الله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ [التوبة: ١١٣]، فقال النبي وأصحابه (٣) أجمعين: «أي ربنا قد استغفر إبراهيم لأبيه». فأنزل الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ [التوبة: ١١٤]. لما وعد إبراهيم أبوه بالإيمان وعده بالاستغفار، وهو قوله: ﴿لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ﴾ [الممتحنة: ٤]، فلما تبين له أنه عدوٌّ


(١) في (ق): إن.
(٢) انظر تفسير «مقاتل بن سليمان» (١/ ٢١٢).
(٣) في (ب): لأصحابه.

<<  <  ج: ص:  >  >>