أمانة العلم، مثل هدَّام السنة الذي أبلغتُ في التشنيع عليه في مقدمتي لكتاب:«حجة الوداع»؛ فهو يستحقُّ ذلك وزيادة.
جرت الباحثةُ على سنن من قبلها من طلاب الدراسات العليا في عالمنا العربي في كيل المديح والثناء على الكتاب الذي يحقِّقونه وعلى مؤلفه، والمهابة من إخضاعه للنقد والفحص والتحليل، ولعل البيئة التعليمية العامة هي التي تدفعهم إلى ذلك، فيتخرَّج طلاب ليس عندهم قلقٌ ولا وسوسةٌ علمية، لا يحسنون إيجاد المشكلات ولا معالجتها، لهذا فليس من عجبٍ أن نجد الباحثةَ تصف ابنَ بَيْدَكِينَ بالعالم، والعلامة، والإمام، ومن أعلام القرن الثامن الهجري. وكل هذه العبارات مبالغة ومجازفة، فصاحبنا لا يعدو أن يكون طالب علمٍ غير متعمِّق فيه، لكنْ تميِّزُه حماسةٌ دينيةٌ، وحرصٌ وجدٌّ واجتهادٌ مكَّنه من تأليف هذا الكتاب (١). وقد سجَّلت الباحثةُ على استحياءٍ جملةً من ملاحظاتها النقدية على الكتاب، بما يتلخَّص في الأخطاء في بعض الأحاديث والآثار، وفي عزوها وتوثيقها، وبعض الأخطاء النحويَّة، والإكثار من استخدام الأسلوب الوعظي في ثنايا العرض والرد على البدع التي يسوقها المؤلف، وتقطيع سياق المسائل بالقصص والحكايات، وإطلاق عبارات كان الأولى بالمؤلف ﵀ استعمال غيرها، كقوله عن يوسف الصديق ﵊:«لما طمع في اللعب صار أمره إلى العبودية والبئر والسجن»، وتخصيص علي بن أبي طالب ﵁ بعبارة:«كرم الله وجهه»، وبعض الألفاظ والأحكام القاسية التي يطلقها على بعض العصاة والمبتدعة، كقوله عن رجل كتب على يده آية الكرسي:«إنه إذا مسَّ موضع الآية من يده وهو جنب فإنه يفسق ويكون ملعونًا»، وقوله عن الحائض إذا مكثت في المسجد إنها:«فاجرة، فإن استحلت ذلك كفرت وخسرت الدنيا والآخرة». ووجود عدد من الأحاديث الضعيفة أحيانًا، والموضوعة نادرًا، وأن المؤلف لم يلتزم باصطلاح
(١) وأعرفُ في زماننا هذا عاميًّا، لا يحسن قراءة سطرين على الجادَّة، قد ألف بعض الكتب بجمع مادَّتها من الرسائل الجامعية، وبذل في ذلك جهده سنين طويلة، وأفلح بعد إلحاح في استكتاب جماعة من العلماء لتقريظ كتبه، والجنون فنونٌ! ومثله لا يبلغ في العلم مدَّ ابن بيدكين ولا نصيفه.