ولعلَّ مثل هذا العمل يكون نموذجًا يقتدي به من استحكمتْ فيهم شهوةُ نشر الكتب من منتحلي صنعة التحقيق؛ فيتَّقون الله ﷿ فيمن تحتَ أيديهم من طلبة العلم الذين يعملون لهم في نسخ المخطوطات ومقابلتها وتخريجها وتوثيقها والتعليق عليها، فينسبُ أولئك كلَّ هذه الأعمال إلى أنفسهم، متشبِّعين بما لم يعطوا، وهم يقرؤون في تلك الكتب التي يخرجونها للنَّاس آياتِ ترهيبٍ وزجرٍ تنخلع منها القلوبُ الحيَّةُ؛ كقول الله ﷿: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [المطففين: ١ - ٦].
وبعد الانتهاء من عملنا في تصحيح الكتاب وفهرسته؛ وقفتُ على رسالة جامعية للدكتورة أسماء بنت داود العلواني في تحقيق قطعة من كتاب «اللمع» مع مقدمة دراسية، تقدَّمت بها إلى جامعة أم القرى بمكَّة المعظَّمة، سنة (١٤٣١)، وتقع الأطروحةُ في (٦٥٩) صفحة: (١٦٠) صفحة للدراسة، و (٣٢٤) صفحة للنصِّ المحقَّق، وهو من أول الكتاب إلى آخر فصل:(فيما يبتدع في المساجد والجوامع مما يفعله الكبراء … )، وهو إلى صفحة (٢٨٠) من طبعتنا هذه، وبعده (٦٩) صفحة ملحق دراسة الأسانيد (١)، وبقية الصفحات للفهارس والمصادر.
لقد جوَّدت الباحثةُ الفاضلة عملها في الدراسة والتحقيق، وأحسنت في ضبط النصِّ والتعليق عليه، وبذلت في ذلك جهدًا ظاهرًا موفَّقًا مشكورًا جزاها الله خيرًا، وسدَّد قولها وعملها، وليتها أتمَّت تحقيق الكتاب بتلك الرتبة؛ إذن لقدَّمت خدمةً جليلةً لهذا الأثر النفيس. ولا يُنقص من عملها ما يَرِدُ عليه من النَّقد، فليس من شرط الباحث أن لا يخطأَ، ولكن من شرطه أن يُخلص ويتقن ويبذل غاية جهده في التحقيق والتدقيق، بخلاف من خان
(١) لا أدري كيف قبلت جهة الإشراف على البحث أن تقوم الطالبة بإفراد بعض أحاديث الكتاب بدراسة موسَّعة؛ رغم أنَّ ذلك خارج عن تخصُّصها وموضوع بحثها، كما أن الكتاب لا يحتوي على أحاديث مسندة أصلًا، وإنما أرادت بذلك تخريجها.