للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

=وقوله تعالى: ﴿ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون﴾ [المائدة: ٨٢]، أي بسبب هؤلاء، وسبب ترك الاستكبار يصير فيهم من المودة ما يصيرهم بذلك خيرًا من المشركين وأقرب مودة من اليهود والمشركين. ثم قال تعالى: ﴿وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق﴾ [المائدة: ٨٣]، فهؤلاء الذين مدحهم بالإيمان ووعدهم بثواب الآخرة، والضمير وإن عاد إلى المتقدمين، فالمراد جنس المتقدمين لا كل واحد منهم، كقوله تعالى: ﴿الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل﴾ [آل عمران: ١٧٣]، وكأن جنس الناس، قالوا لهم: إن جنس الناس، قد جمعوا ويمتنع العموم، فإن القائل من الناس، والمقول له من الناس، والمقول عنه من الناس، ويمتنع أن يكون جميع الناس قال لجميع الناس: إنه قد جمع لكم جميع الناس. ومثل ذلك قوله تعالى: ﴿وقالت اليهود عزير ابن الله﴾ [التوبة: ٣٠]، أي جنس اليهود قال هذا، لم يقل هذا كل يهودي. ومن هذا أن في النصارى من رقة القلوب التي توجب لهم الإيمان ما ليس في اليهود، وهذا حق، وأما قلوبهم: ونفى عنا اسم الشرك، فلا ريب أن الله فرق بين المشركين، وأهل الكتاب في عدة مواضع، ووصف من أشرك منهم في بعض المواضع، بل قد ميَّز بين الصابئين والمجوس وبين المشركين في بعض المواضع، وكِلا الأمرين حق، فالأول كقوله تعالى: ﴿لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين﴾ [البينة: ١]. وقوله تعالى: ﴿إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا﴾ [الحج: ١٧]، وقال تعالى: ﴿لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا﴾ [المائدة: ٨٢]، وأما وصفهم بالشرك ففي قوله: ﴿اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون﴾ [التوبة: ٣١]، فنزه نفسه عن شركهم، وذلك أن أصل دينهم ليس فيه شرك، فإن الله إنما بعث رسله بالتوحيد، والنهي عن الشرك، كما قال تعالى: ﴿وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون﴾ [الزخرف: ٤٥]. وقال تعالى: ﴿ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت﴾ [النحل: ٣٦]، وقال تعالى: ﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون﴾ [الأنبياء: ٢٥]، فالمسيح صلوات الله عليه وسلامه ومن قبله من الرسل إنما دعوا إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وفي التوراة من ذلك ما يعظم وصفه، لم يأمر أحد الأنبياء بأن يعبد ملك ولا نبي ولا كوكب ولا وثن، ولا أن تسأل ولا تطلب الشفاعة إلى الله من ميت ولا غائب، لا نبي ولا ملك، فلم يأمر أحد من الرسل بأن يدعو الملائكة، ويقول: اشفعوا لنا إلى الله ولا يدعو الأنبياء والصالحين الموتى والغائبين، ويقول: اشفعوا لنا إلى الله ولا =

<<  <  ج: ص:  >  >>