للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو في حيف الجفاء محبوس، وعلم إيمانه دون الألوية منكوس، ألم تسمع قول الملك الجبار: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ [هود: ١١٣]، فمن وافق نفسه فليس هو من أهل الطاعة، ومن اشتغل بها غفل عن أهوال يوم الساعة، ومن كانت هذه بضاعته فبئس والله البضاعة، فأرض النفس خربة لا يجد فيها غصنًا رطبًا بذكر الله، ولا عينًا جاريةً من خشية الله، ولا جامعًا يجتمع فيه لذكر الله غير أعراب منافقين، كأنهم قد أخذوا عهدًا من الله ووثاقًا، فلا يزدادون إلا إثمًا وشقاقًا، ﴿الأعراب أشد كفرًا ونفاقًا﴾ [التوبة: ٩٧]. فنفاق العين لعدم غضها، ونفاق اللسان بالغيبة والبهتان، والقذف لأعراض الإخوان، ونفاق الأذن لسماعها الباطل، فلا تصغي (١) إلى الخيرات والنصيحة، وتجتهد في سماع الأفعال القبيحة، ونفاق اليد المنع عند الرخاء، وفي فقرها التقاعد عن الدعاء، فلا تنبسط في حالة الغنى بالعطية، ولا في حالة فقرها، بالأدعية المرضية، ونفاق الأقدام في سعيها وإسراعها في الخطِيَّة، وإذا لاح لها طريق الآخرة، فترى خطاها بطِيَّة، وفساد هذه الجوارح من فساد القلب؛ لأنه هو الملك وهم الرعية، قال : «إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهو القلب» (٢). روي ذلك عن خير البرية.

فلو لم تفسد قلوب هؤلاء الغافلين ما عظموا شعائر الكافرين، فدل على أن القلب فاسد؛ لتعظيمه أيام الكافر الجاحد، ولسماعه من نفسه الخبيثة، ومن شيطانه المارد، ولمخالفته لنبيه وحبيبه، وللسيد الماجد، فمن عظَّم هذه الأفعال أو الفاعلين حُشر معهم، وسقط من عين رب العالمين. ولا يحبهم أيضًا خوفًا من قوله : «المرء مع من أحب» (٣). كما يفعله بعض فسقة المسلمين من صحبتهم ومخالطتهم للنصارى، ومؤاكلتهم


(١) في (ق): تسعى.
(٢) سبق تخريجه.
(٣) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>