للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأى رجل الخليفة قد قرَّب رجلًا نصرانيًّا، فقال: أتأذن لي بالكلام يا أمير المؤمنين؟ فأذن له، فقال هذه الأبيات:

أيا إمامٌ حكمه لازم … وحبه مفترض واجب

إن الذي شرفت من أجله … يزعم هذا أنه كاذب

وأشار بيده نحو النصراني، فقال الخليفة للنصراني: أنت تزعم أن جدي كاذب؟ قال: لا يا أمير المؤمنين. ثم (أتى النصراني) (١) بالشهادتين، فقال الرجل للخليفة: ألست تعلم أنه أسلم خوفًا من هيبتك؟ قال: نعم. قال: فإسلامه نفاق؛ فإذًا لا يصلح أن يكون للخليفة من الرفاق. فطرده الخليفة (٢). فذهب لا هو بدينه، وذهبت دنياه. وهذا حال من خذله مولاه، فمن رضي بالله ربًّا وبمحمد رسولًا وبالإسلام دينًا فلا يتخذ يهوديًّا، ولا نصرانيًّا كاتبًا ولا خازنًا ولا أمينًا، فمن فعل ذلك كان لدين الإسلام مهينًا، فقد أخطأ الطريق وما أصاب يقينًا، وأكثر ما يقع في هذه المصائب الولاة والأمراء، ونسأل الله تعالى الهداية وحُسن الخاتمة لنا ولهم وللمسلمين أجمعين، وكان الله على كل شيء مقتدرًا.

ثم اعلم بأنه يجب على المسلم أن لا يولي على إخوته المسلمين كافرًا، ولا مسلمًا ظالمًا ولا فاسقًا، فإن فعل فقد أعان الظالم على ظلمه، وقوَّى الفاسق على فسقه، وأعان الكافر لتوليته على إخوانه، وأذلَّ المؤمن مع وجود إيمانه.

وجاء في الأخبار: «يقول الحق سبحانه يوم القيامة: أين الظلمة وأعوان الظلمة؟ فيجعلون في توابيت ويلقون في النار» (٣).


(١) في (ق): أن النصراني أعلن.
(٢) انظر: «سراج الملوك» للطرطوشي ٧١، و «بدائع السلك في طبائع الملك» لابن الأزرق ٢/ ٢٨، و «سير أعلام النبلاء» ١٩/ ٤٩٢. وفي «اتعاظ الحنفاء» للمقريزي ٣/ ١٢٦ حادثة وقعت سنة (٥٢٣) ذُكر فيها بعض هذا الشعر. (ت)
(٣) ضعيف: أخرجه الديلمي في «مسند الفردوس» (٩٨٩) من حديث أبي هريرة . وذكره أحمد بن حنبل في «الورع» ١/ ٩٣ من حديث عبد الله بن مسعود .
وقال الزيلعي في «تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف» ٣/ ٢٨: غريب.

<<  <  ج: ص:  >  >>