للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= المفترى باتفاق أهل العلم، ولم يكن شيخهم يقول هذا، بل هذه بدعة أحدثها بعض أصحابه بعد موته، وإذا قيل لواحد منهم: ألا تقطع قال: إن الله قادر على أن يغير هذه الفرس. فيظن أنه إذا قال: قطعًا؛ أنه نفيٌ لقدرة الله على تغيير ذلك، وهذا جهل، فإن هذه الفرس فرس قطعًا في هذه الحال، والله قادر على أن يغيرها. وأصل شبهة هؤلاء: أن السلف كانوا يستثنون في الإيمان فيقول أحدهم: أنا مؤمن إن شاء الله، وكانت ثغور الشام مثل عسقلان قد سكنها محمد بن يوسف الفريابي، شيخ البخاري، وهو صاحب الثوري، وكان شديدًا على المرجئة وكان يرى الاستثناء في الإيمان كشيخه الثوري وغيره من السلف. والناس لهم في الاستثناء ثلاثة أقوال: منهم من يحرمه كطائفة من الحنفية، ويقولون من يستثني فهو شكَّاك. ومنهم من يوجبه: كطائفة من أهل الحديث. ومنهم من يجوزه أو يستحبه وهذا أعدل الأقوال، فإن الاستثناء له وجه صحيح، فمن قال: أنا مؤمن إن شاء الله، وهو يعتقد أن الإيمان فعل جميع الواجبات، ويخاف أن لا يكون قائمًا بها، فقد أحسن. ولهذا كان الصحابة يخافون النفاق على أنفسهم، قال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب محمد كلهم يخاف النفاق على نفسه. ومن اعتقد أن المؤمن المطلق هو الذي يستحق الجنة؛ فاستثنى خوفًا من سوء الخاتمة فقد أصاب، وهذا معنى ما يروى عن ابن مسعود أنه قيل له عن رجل أنت مؤمن؟ فقال: نعم. فقيل له: أنت من أهل الجنة؟ فقال: أرجو! فقال: هلا وكَّل الأولى كما وكل الثانية، ومن استثنى خوفًا من تزكية نفسه أو مدحها أو تعليق الأمور بمشيئة الله فقد أحسن، ومن جزم بما يعلمه أيضًا في نفسه من التصديق فهو مصيب. والمقصود أن أصل شبهة هؤلاء الاستثناء في الإيمان كما عليه أهل ثغر عسقلان، وما يقرب منها، وعامة هؤلاء جيران عسقلان، ثم صار كثير منهم يستثني في الأعمال الصالحة فيقول: صليت إن شاء الله. وهو يخاف أن لا يكون أتى بالصلاة كما أُمر، وصنف أهل الثغر في ذلك مصنفًا. وشيخهم ابن مرزوق غايتُه أن يتبع هؤلاء، ولم يكن هو ولا أحد قبله من أهل العلم يمتنعون أن يقولوا لما يعلم أنه موجود: هذا موجود قطعًا. وقد نقل بعض الشيوخ أنه كان يستثني في كل شيء، وكأنه يستثني والله أعلم في الخبر عن الأمور المستقبلة لقوله تعالى ﴿لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله﴾ وقوله : «وإنا إن شاء الله بكم لاحقون». والواجب موافقة جماعة المسلمين، فإن قول القائل قطعًا بذلك مثل قوله: أشهد بذلك، وأجزم بذلك، وأعلم ذلك. فإذا قال: أشهد ولا أقطع، كان جاهلًا، والجاهل عليه أن يرجع، ولا يصر على جهله، ولا يخالف ما عليه علماء المسلمين، فإنه يكون بذلك مبتدعًا جاهلًا ضالًا. وكذلك من جهلهم قولهم: إن الرافضي لا يقبل الله توبته، ويروون عن النبي أنه قال: «سبُّ أصحابي ذنب لا يغفر»، =

<<  <  ج: ص:  >  >>