وعاد عندي كله مشتغلًا بكلِّه … ما خلت أن يصلح مثلي في الهوى لمثله وإنما جاد عليَّ منعمًا بفضله … ولم أكن أهلًا له لكنه من أهله وذكر الناصحُ في ترجمة ولد الشيخ أبي عمرو بن مرزوق سعد: أن والده يعني الشيخ: أبا عمرو كان يُذكر عنه أنه كان يقول في أفعال العباد: إنها غير مخلوقة. وكذا حكى ابن القطيعي في «تاريخه»، قال: حكى لي أبو محمد بن سعيد البزار التاجر، قال: كنت بمصر ووقع بها فتنة بين والد الشيخ سعد يعني عثمان بن مرزوق وبين الكيزاني، وتلك الفتنة كانت سبب قدوم سعد إلى بغداد، فقلت له: ما كانت. فقال: كان عثمان بن مرزوق يقول: أفعال العباد قديمة. وكان له بمصر قبول، وبمصر يومئذٍ رجل آخر له قبول، يعرف بابن الكيزاني [ت: ٥٦٢]، يقول: ليست قديمة. فثارت الفتن، فقالوا: طريق الحق أن تكتب إلى بغداد في ذلك، فكتبوا إلى علماء بغداد، فأفتوهم على اختلاف مذاهبهم بحدثها، فقال سعد يعني: ابن الشيخ عثمان بن مرزق: الآن قد شككت في هذا الأمر، والمكتوب لا يقلَّد، ولا بدَّ من المضي إلى بغداد، وأسمع مقالة العلماء، وأعود أخبر أبي بذلك، فدخل بغداد، وسمع مقالة العلماء، فمات أبوه بمصر، وبلغه وفاته، فأقام ببغداد. قلت: وذكر أبو المظفر سبط ابن الجوزي في «مرآن الزمان»: أن أبا عبد الله ابن الكيزاني كان يقول: إن أفعال العباد قديمة. فحينئذٍ فقد اختلف في نسبة هذا القول: هل هو إلى ابن الكيزاني، أو إلى ابن مرزوق، ولم يثبت لنا من وجه صحيحٍ عن ابن مرزوق أنه كان يقول ذلك، ولعل ذلك ألزموه به لقوله: إن اللفظ بالقرآن غير مخلوق. وإن هذا القول يقوله طائفة من أصحابنا، وربما نسبوه إلى الإمام أحمد. والصحيح الصريح عن أحمد: أنه كان يبدِّع قائل ذلك، ولعله لما التزم هذا القول الضعيف طرَّده في سائر الأفعال. والله أعلم بحقيقة الحال. ثم وجدت لأبي عمرو ابن مرزوق مصنفات في أصول الدين، ورأيته يقول: إن الإيمان غير مخلوق، أقواله وأفعاله، وإن حركات العباد مخلوقة، لكن القديم يظهر فيها كظهور الكلام في ألفاظ العباد. وقال الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله تعالى: وثَمَّ جماعات منتسبون إلى الشيخ أبي عمرو ابن مرزوق، ويقولون أشياء مخالفة لما كان الشيخ أبو عمرو عليه، وهذا الشيخ كان ينتسب إلى مذهب الإمام أحمد، وكان من أصحاب الشيخ عبد الوهاب ابن الشيخ أبي الفرج، وهؤلاء ينتسبون إلى مذهب الشافعي، ويقولون أقوالًا مخالفة لمذهب الشافعي وأحمد، بل ولسائر أئمة المسلمين، ولشيخهم الشيخ أبي عمرو. وهذا الشيخ أبو عمرو: شيخ من شيوخ أهل العلم والدين، وله أسوة أمثاله، وإذا قال قولًا قد علم أن قول أحمد والشافعي بخلافه، وجب تقديم قول الشافعي وأحمد على قوله، مع دلالة=