للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= بصائرهم. ومن كلامه أيضًا: من لم يجد في قلبه زاجرًا فهو خراب. ومن عرف نفسه لم يغتر بثناء الناس عليه. ومن لم يصبر على صحبة مولاه ابتلاه بصحبة العبيد. ومن انقطعت آماله إلا من مولاه فهو عبد حقيقة. والدعوى من رعونة النفس، واستلذاذ البلاء تحقق بالرضى، وحلية العارف الخشية والهيبة. وإياكم ومحاكاة أصحاب الأحوال قبل إحكام الطريق، وتمكن الأقدم فإنها تقطع بكم. ودليل تخليطك صحبتك للمخلِّطين. ودليل وحشتك أنسك بالمستوحشين. وكان يتمثل بهذه الأبيات:
يا غارس الحب بين القلب والكبد … هتكت بالصد ستر الصبر والجلد
يا من تقوم مقام الموت فرقته … ومن يحل محل الروح في الجسد
قد جاوز الحب في أعلا مراتبه … فلو طلبت مزيدًا منه لم أجد
إذا دعا الناس قلبي عنك مال به … حسن الرجاء، فلم يصدر ولم يرد
إن ترضني لم أُرِدْ ما دمت لي بدلًا … وإن تغيرت لم أسكن إلى أحد
وحكى عن الشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن مرسيل الضرير، الفقيه الشافعي الزاهد رحمه الله تعالى، قال: كان الشيخ أبو عمرو ابن مرزوق، من أوتاد مصر، كان شائع الذكر، ظاهر الكرامات، زاد النيل سنة زيادة عظيمة، كادت مصر تغرق، وأقام على الأرض، حتى كاد وقت الزرع يفوت، فضج الناس بالشيخ أبي عمرو ابن مرزوق بسبب ذلك، فأتى إلى شاطئ النيل، وتوضأ منه، فنقص في الحال نحو ذراعين، ونزل عن الأرض حتى انكشفت، وزرع الناس في اليوم الثاني. قال: وفي بعض السنين لم يطلع النيل ألبتةَ، وفاضت أكثر وقت زراعته. وغلت الأسعار وظُنَّ الهلاك، وضجوا بالشيخ أبي عمرو ابن مرزوق، فجاء إلى شاطئ النيل، وتوضأ فيه بإبريق كان مع خادمه، فزاد النيل في ذلك اليوم. وتعاقبت زيادته إلى أن انتهت إلى حدِّه، وبلَّغ الله به المنافع، وبارك في زرع الناس تلك السنة. قرأتُ بخط الشيخ ناصح الدين عبد الرحمن بن نجم بن الحنبلي قال: حكى لي الشيخ زين الدين علي بن نجا، قال: زرت الشيخ عثمان بن مرزوق بمصر فقال: يجيء أسد الدين شيركوه إلى هذه البلاد ويروح، ولا يحصل له شيء، ثم يعود يجيء ويروح، ولا يأخذ البلد، ثم يجيء فيأخذ ما أدري قال في الثالثة أو الرابعة. فيملك مصر. فجرى الأمر كما ذكر، فقلت له: يا سيدي من أين لك هذا؟ فقال: والله يا ولدي ما أعلم الغيب، وإنما لي عادة: أن أرى رسول الله ، أراه في بعض الجُمَع، فيخبرني. قلت: لعله أراد في المنام. قال الناصح: وسمعت خادم الشيخ عثمان بن مرزوق، وكان يعرف بسيف السنة، وعليه آثار الصلاح، وقال له زين الدين بن نجا: أتعرف الأبيات التي أُنشدتْ تلك الليلة بحضرة الشيخ عثمان بن مرزوق، فسمع وبكى. قال: نعم، قال: قلها. فقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>