للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبعض الصحابة لم يدخل في أمر من أمور الدنيا قط، وخُطب على الولاية وأبى، وبعضهم عزل نفسه، وولَّى عمر بن الخطاب رجلًا يُعرف بعمير على أهل حمص، ثم عزله بعد سنة، فذهب من حمص (١) ماشيًا، وأتى إلى المدينة على ساكنها السلام ماشيًا، فدخل على عمر بن الخطاب وقد تغير من مشقة الطريق، فقال عمر: ما بالك؟ قال: ما بي شيء، هذا جرابي لزادي، وقصعتي لأجل وضوئي وطعامي، وعكازي أجاهد به عدوي، والدنيا كلها تبعًا لي، فلام عمر أهل حمص لأجل ما تركوا أميرهم بعد سنة يأتي من عندهم ماشيًا، فقال عمير: اتق الله يا عمر، ولا تغتاب المسلمين، فقد نهاك الله عن الغيبة، أنا لم أطلب منهم شيئًا. فطلب عمر أن يوليه أمرًا آخر، فأبى وقال: لقد كان يومًا مشئومًا عليَّ الذي (عملت لك) (٢) فيه، لقد قلت يومًا لنصراني: أخزاه الله. كيف يكون حالي بين يدي الله تعالى؟! فلو لم تولني أنت ما سببت أحدًا. ثم ذهب إلى أهله، وكانوا في قرية ظاهر المدينة، فطلبه عمر وأعطاه وسقًا من طعام وثوبين، فقبل الثوبين وقال: أم فلان عريانة. وردَّ الوسق، وقال: قد تركت في البيت قُوت يومين، وما ندري نعيش لثلاث أم لا. فمات عمير بعد ثلاثة أيام، فخرج عمر بن الخطاب في جنازته حافيًا باكيًا (٣).

فمَن هذا من بعض أحواله، من أين يأتيه الكبر أو العجب؟! لا يدخلان إلا على رجل قد سخط الله عليه لجلوسه متكئًا، والخدم قد طال وقوفهم (بغير حاجة) (٤) بين يديه، وقد جاء في الأخبار أن (تلك صفة) (٥) أهل النار.


(١) في (خ، ق): لحمص.
(٢) في (خ، ب): رأيتك.
(٣) انظر: «طبقات ابن سعد» ٧/ ٤٠٢.
وعمير هذا هو عمير بن سعد بن عبيد الأنصاري الصحابي، الذي كان يقال فيه: «عمير نسيج وحده».
(٤) ليست في (ق).
(٥) في (خ، ب): هذه صفات.

<<  <  ج: ص:  >  >>