(٢) قال الغزالي في «إحياء علوم الدين» ٣/ ٣٥٦: وقد قال أبو سلمة قلت لأبي سعيد الخدري: ما ترى فيما أحدث الناس من الملبس والمشرب والمركب والمطعم؟ فقال: يا ابن أخي كل لله، واشرب لله، والبس لله، وكل شيء من ذلك دخله زهو أو مباهاة أو رياء أو سمعة فهو معصية وسرف، وعالج في بيتك من الخدمة ما كان يعالج رسول الله ﷺ في بيته، كان يعلف الناضح، ويعقل البعير، ويقم البيت، ويحلب الشاة، ويخصف النعل، ويرقع الثوب، ويأكل مع خادمه، ويطحن عنه إذا أعيا، ويشتري الشيء من السوق، ولا يمنعه الحياء أن يلعقه بيده أو يجعله في طرف ثوبه، وينقلب إلى أهله يصافح الغني والفقير والكبير والصغير، ويسلم مبتدئًا على كل من استقبله من صغير أو كبير، أسود أو أحمر، حر أو عبد، من أهل الصلاة، ليست له حلة لمدخله، وحلة لمخرجه، لا يستحي من أن يجيب إذا دعي، وإن كان أشعث أغبر، ولا يحقر ما دعي إليه وإن لم يجد إلا حشف الدقل، لا يرفع غداء لعشاء، ولا عشاء لغداء، هين المؤنة، لين الخلق، كريم الطبيعة، جميل المعاشرة، طليق الوجه، بسام من غير ضحك، محزون من غير عبوس، شديد في غير عنف، متواضع في غير مذلة، جواد من غير سرف، رحيم لكل ذي قربى ومسلم، رقيق القلب دائم الإطراق، لم يبشم قط من شبع، ولا يمد يده من طمع. قال أبو سلمة: فدخلت على عائشة ﵂ فحدثتها بما قال أبو سعيد في زهد رسول الله ﷺ، فقالت: ما أخطأ منه حرفًا، ولقد قصر إذ ما أخبرك أن رسول الله ﷺ لم يمتلئ قط شبعًا، ولم يبث إلى أحد شكوى، وإن كانت الفاقة لأحب إليه من اليسار والغنى، وإن كان ليظل جائعًا يلتوي ليلته حتى يصبح، فما يمنعه ذلك عن صيام يومه، ولو شاء أن يسأل ربه فيؤتى بكنوز الأرض وثمارها، ورغد عيشها، من مشارق الأرض ومغاربها، لفعل، وربما بكيت رحمة له مما أوتي من الجوع، فأمسح بطنه بيدي، وأقول: نفسي لك الفداء، لو تبلغت من الدنيا بقدر ما يقوتك، ويمنعك من الجوع؟ فيقول: «يا عائشة إخواني من أولي العزم من الرسل قد صبروا على ما هو أشد من هذا، فمضوا =