للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشرع الطاهر، ويرحمهم، ويدعو لهم في الباطن، وكذلك الحاكم يقتل مَنْ قتل، ويقطع يدَ مَنْ سرق، ويُحدُّ مَنْ وجب عليه الحدَّ، ويعزر من وجب عليه التعزير: يستوي في ذلك الرجال والنساء، ولا يقبل فيهم شفاعة الشافعين، هذا في الظاهر. وفي الباطن لا يسخر منهم، ولا يشمت بهم؛ لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ﴾ [الحجرات: ١١] الآية. ولقوله : «لا تظهر الشماتة لأخيك فيعافيه الله ويبتليك» (١).

فلا تسخر من أحد، واقتبس من هذه الأنوار، وإياك والعجب؛ فإنها بدعة مشؤومة، يلقى صاحبها في النار، كما جاء في الأخبار: «ثلاث منجيات، وثلاث مهلكات، فأما المهلكات: فشحٌّ مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه. وأما المنجيات: فالعدل في الرضى والغضب، والاقتصاد في الفاقة والغنى، وخشية الله تعالى في السر والعلانية» (٢).

قال الشعبي: كان رجل إذا مشى أظلته سحابة (٣)، فقال رجل: لأمشينَّ في ظله. فأعجب العابد بنفسه، وقال: مثل هذا يمشي في ظلي. فلما افترقا ذهب الظل مع ذلك الرجل الذي يمشي معه (٤).

فانظر إلى شؤم العجب، كيف صير هذا العابد كمريض بغير عائد.

وقال مطرف بن عبد الله: لأن أبيت نائمًا وأصبح نادمًا أحب إليَّ من أن أبيت قائمًا، وأصبح معجبًا (٥).


(١) أخرجه الترمذي في «جامعه» (٢٥٠٦) والطبراني في «المعجم الكبير» ٢٢/ ٥٣ (١٢٧)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٦٧٧٧) من حديث واثلة بن الأسقع .
وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
وقال الألباني في «الضعيفة» (٥٤٢٦): ضعيف.
(٢) سبق تخريجه قريبًا.
(٣) في (ق): غمامة.
(٤) ذكره أبو الليث السمرقندي في «تنبيه الغافلين» ٤٨٥.
(٥) رواه ابن المبارك في «الزهد» (٤٤٨)، وأحمد بن حنبل في «الزهد» ١/ ٢٤١، من كلام التابعي الجليل مطرِّف بن عبد الله بن الشخير البصري .

<<  <  ج: ص:  >  >>