للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعلم رحمك الله تعالى! أن الكبر صفة (١) من صفات الجبل الشامخ والتلِّ العالي، وصفة المتواضع (٢) كالأرض اللينة الوطية، وصفة الرحمة كالمطر.

فإن قال القائل: إن المطر إذا نزل عمَّ العالي والمتواطي.

قيل: صدقت، لكنه لا يستقر الماء على ما علا من الأرض، وينزل الجميع إلى الأرض الوطيَّة فتصبح مخضرة من هذه الخيرات والعطيَّة. قال الله سبحانه: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٦]. والعبد المتواضع هو من المتقين، قال الله تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان: ٦٣]، أي: يمشون وهم متواضعون. وقال تعالى: ﴿وَلَا تصاعر خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾ (٣) [لقمان: ١٨]، أي: لا تمله عن الناس معرضًا وتكبرًا عليهم واستخفافًا بهم. وهذه صفة من صفات المتكبر: يغمض المؤمنين الأخيار، ولا يدور مع الحق حيث دار.

قال : «ثلاثٌ هن أصل كل خطيَّة، فاتقوهن واحذروهن: إيَّاكم الكبر؛ فإن إبليس حمله الكبر على أن لا يسجد لآدم، وإيَّاكم الحرص؛ فإن آدم حمله الحرص على أن يأكل من الشجرة، وإيَّاكم الحسد، فإن ابني آدم إنما قتل أحدهما الآخر حسدًا» (٤).

وفي حديث آخر أنه قال : «عُرِض عليَّ أول ثلاثة يدخلون الجنة، وأول ثلاثة يدخلون النار؛ فأمَّا أول ثلاثة يدخلون الجنة: الشهيد، وعبد


(١) في (خ، ب): المتكبر صفته.
(٢) في (خ، ب): المتضع.
(٣) وهي قراءة نافع وأبي عمرو والكسائي وخلف بألف بعد الصاد وتخفيف العين لغة الحجاز، وافقهم اليزيدي والأعمش، والباقون بتشديد العين بلا ألف لغة تميم. انظر: «إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر» للبناء (ص ٤٤٨).
(٤) أخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (٤٩/ ٤٠) من حديث ابن مسعود . وأورده الألباني في «الضعيفة» (٦٦٦٩) وقال: ضعيف جدًّا.

<<  <  ج: ص:  >  >>