للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإيَّاك أيها المسكين! أن تتصف في هذا الباب ببعض صفات مولاك، فتكون النار مأواك، وارجع إلى قدرك، فإنك عبدٌ ضعيف، لكي يرحمك المولى اللطيف. قال : «رحم الله من عَرَف قدره، وكفى الناس أمره» (١)، فمن تواضع عرف قدرَه، ومن تكبر ما عرف قدرَه ولا كفى الناس أمره، فيوقعهم بتكبره في الغيبة، ونسأل الله تعالى أن يحرسنا من كل المعاصي، ومن هذه المصيبة.

انظر أيها المبعود (٢) إلى حالك ثم تكبَّر: أوَّلك نطفة، وآخرك جيفة، وأنت الآن كجراب حسن، ظاهره مليح، وباطنه قبيح، دمٌ وقيح، وبول ومصارين، وما يبرز منك يؤذي الناظرين.

مرَّ بعضهم بكَنيفٍ مكشوفٍ فسدَّ أنفَه من نتن رائحته، وإذا لسان الحال يقول: أنا ما كنت كذا. كان الناظر يودُّ لو رآني أو شمَّني، صحبتك ستَّ ساعات من النهار فصرت إلى ما ترى من الأوساخ والأكدار.

فانظر أيها العبد كل شيء يصحبك تلف، حتى المسك والورد، فيا من هذا حاله، وبعد هذا يموت، ولا يحمل قرصة برغوث، أيليق لك التكبر أيها الممقوت؟!

ثم اعلم بأن التكبر أول معصية عُصي الله تعالى بها، وعبد إبليس ربه مئة ألف سنة على قول بعض العلماء، ورفعه الله إلى السماء، وكان رفيع المنزلة، حسن الصورة، مستجاب الدعوة، خازنًا من خزان الجنة،


(١) ليس هذا بحديث، وإنما حكمة قديمة تذكر عن بعض السلف، فقد ذكر القشيري في «الرسالة» ١/ ٢٨١ عن عمر بن عبد العزيز قال: رحم الله امرأً عرف قدر نفسه. وذكر أبو منصور الثعالبي في «درر الحكم» ٣٩ عن علي قال: ما هلك امرؤٌ عرف قدرَهُ.
(٢) في (خ): المعبد. وفي (ب): المبعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>