للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اليومَ القشاشَ يرمي أجنابك بالمقارع. وكان القشاش (١) يومئذٍ متولي المحلة، فقال الشيخ للعريف: كم عليَّ؟ قال: أربع سنين ما دفعت لنا جالية (٢). فقال الشيخ: خذ مني هذه السنة واذهب. فلم يقبل وجذب الشيخ بثيابه، ودخل به لمجلس الوالي، وكان الوالي قد قام ودخل بيته، فعرف الناظر الشيخ فانتهر (٣) العريف، فأشار الشيخ له بالصمت، فصمت، فقال الشيخ عبد العزيز للعريف: تأخذ مني الذي قلت لك وإلا أقولها. قال العريف: تهددني بإسلامك؟! ما آخذ إلا الكل. فقال الشيخ: أنا أقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله. فقال الناظر للعريف: ويحك، تعرف من هذا؟ قال: نعم، هو نصراني. فقال الناظر: (كذبت هذا الشيخ عبد العزيز الديريني صاحب الكرامات) (٤). فبُهت العريف من قوة حلم الشيخ وأسلم، وكان الشيخ عبد العزيز قليل الدنيا والمعلوم، ويفتي في جميع العلوم، ولم يلبس كلبس المشايخ، بل ما تيسر من اللباس، ولأجل ذلك كان يقع فيه الشك والالتباس.


(١) القشَّاشُ: ترجم له المقريزي في «السلوك لمعرفة دول الملوك» في وفيات سنة (٧٠٢) في وقعة شقحب ضدَّ التتار، فقال: «ومات الأمير أيدمر الشمسيُّ القشاش، وكان قد ولِي الغربية والشرقية جميعًا، واشتدت مهابته، وكان يعذب أهل الفساد بأنواع قبيحة من العذاب، منها: أنه كان يغرس خازوقًا، ويجعل محدَّده قائمًا، وبجانبه صار كبير يعلق فيه الرجل، ثم يرسله فيسقط على الخازوق، فيدخل فيه ويخرج من بدنه، ولم يجرؤ أحد من الفلاحين بالغربية والشرقية في أيامه أن يلبس مئزرًا أسود، ولا يركب فرسً ولا يتقلد سيفًا، ولا يحمل عصًى محلية بحديد، وعمل بها الجسور والترع وأتقنها، وأنشأ جسرًا بين ملقة صندفا وأرض سمنود عرف بالشقفي، فرآه بعد أن استشهد بمدة قاضي المحلة في النوم، فقال له: سامحني الله وغفر لي بعمارة جسر الشقفي. وكان قد فلج واستعفي من الولاية ولزم بيته، وخرج لغزوة شقحب في محفَّة إلى وقت القتال، فلبس سلاحه، وركب وهو في غاية الألم، فقيل له: إنك لا تقدر! فقال: والله لمثل هذا اليوم أن أنتظر، وإلا إيش يتخلص القشاش من ربه بغير هذا؟! وحمل على العدو، وقاتل فقتل، ورئي فيه ست جراحات».
(٢) الجالية: الذين جَلَوْا عن أوطانهم، يقال: استُعمِل فلانٌ على الجالِيَةِ، أي على جزية أهل الذمَّة. لسان العرب مادة: جلا.
(٣) في (خ): فطلب أن ينهر.
(٤) في (خ): بل هو الشيخ عبد العزيز.

<<  <  ج: ص:  >  >>