للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيَّ شيء من أفعال اليهود ما أنطق الله تعالى هذا الصغير بهذا.

وخرج رجل يعرف بالشيخ عبد العزيز الدِّيْرِينيِّ (١) مسافرًا، فلقيه الصغار رعاة الغنم، فظنوا أنه يهودي فقالوا له: يا شيخ، قل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله. فقالها الشيخ، فجاؤوا له بحمارة طويلة وركَّبوا الشيخ من الغيط إلى البلد وزفُّوه، فلما دخل (٢) البلد عرف الرجال (٣) الشيخ، (فقصدوا ضرب) (٤) الصغار، فنهاهم الشيخُ، وقال: ما عملوا معي إلا خيرًا، جدَّدوا إسلامي وركَّبوني إلى البلد (٥).

وجرى لهذا السيد ما هو أعظم من هذا: دخل يومًا المحلة الكبيرة من أعمال مصر، فشبَّهه عَرِيف النَّصارى بنصراني هارب من الجالية. فمَسك الشيخَ وخنقه، وقال له: يا ملعون إلى كم تهرب مني؟ لا بدَّ ما أُخَلِّي


(١) هو الشيخ الزاهد الفقيه الواعظ الأديب عبد العزيز بن أحمد بن سعيد الدميري المعروف بالديريني الشافعي (٦١٢٦٩٤ هـ)، نسبته إلى «ديرين» في غربية مصر، وقبره بها، من كتبه «التيسير في علم التفسير»، و «الدرر الملتقطة في المسائل المختلطة»، و «طهارة القلوب، والخضوع لعلام الغيوب» في التصوف، و «إرشاد الحيارى في ردع من مارى في أدلة التوحيد ورد النصارى»، و «نظم الوجيز للغزالي في فروع الفقه الشافعي»، و «الشجرة في سيرة النبي وأصحابه العشرة». قال العيني في «عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان» ١/ ٢٩٠: «كان فاضلًا، عالمًا بالنحو واللغة والأصلَيْن، وله في كل فنٍّ فضل، وكان مع ذلك راضيًا ببذاذة الحال، توفي ببلدته ديرين، ودفن فيها».
(٢) في (خ): وصل.
(٣) في (ق): الناس.
(٤) في (خ): فطلبوا ينهروا.
(٥) قال ابن السبكي في «طبقات الشافعية» ٨/ ٢٠٠ في ترجمة الديريني: حكي أنه دخل إلى المحلَّة الغربية في بعض أسفاره، وعليه عمامة متغيِّرة اللون، فظنها بعض من رآه زرقاء، فقال: قل: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله. فقالها، فنزع العمة من رأسه، وقال له: اذهب إلى القاضي لتسلم على يديه، فمضى معه، وتبعهم صبيان وخلق كثير على عادة من يسلم، فلما نظره القاضي عرفه، فقال له: ما هذا يا سيدي الشيخ؟ قال: قيل لي: قل الشهادتين فقلتهما، فقيل: امض معنا إلى القاضي لتنطق بهما بين يديه؛ فجئت.

<<  <  ج: ص:  >  >>