وقال ابن القيم في «مدارج السالكين» ١/ ٣٠٧: «إن الذنب قد يكون أنفع للعبد إذا اقترنت به التوبة من كثير من الطاعات، وهذا معنى قول بعض السلف: قد يعمل العبد الذنب فيدخل به الجنة، ويعمل الطاعة فيدخل بها النار! قالوا: وكيف ذلك؟ قال: يعمل الذنب فلا يزال نصب عينيه، إن قام وإن قعد وإن مشى ذكر ذنبه، فيحدث له انكسارًا، وتوبة، واستغفارًا، وندمًا، فيكون ذلك سبب نجاته، ويعمل الحسنة، فلا تزال نصب عينيه، إن قام وإن قعد وإن مشى، كلما ذكرها أورثته عُجُبًا وكبرًا ومنة، فتكون سبب هلاكه، فيكون الذنب موجبًا لترتب طاعات وحسنات، ومعاملات قلبية، من خوف الله والحياء منه، والإطراق بين يديه منكسًا رأسه خجلًا، باكيًا نادمًا، مستقيلًا ربه، وكل واحد من هذه الآثار أنفع للعبد من طاعة توجب له صولةً، وكبرًا، وازدراءً بالناس، ورؤيتهم بعين الاحتقار، ولا ريب أن هذا الذنب خير عند الله، وأقرب إلى النجاة والفوز من هذا المعجَب بطاعته، الصائل بها، المانِّ بها، وبحاله على الله ﷿ وعباده، وإن قال بلسانه خلاف ذلك، فالله شهيد على ما في قلبه، ويكاد يعادي الخلق إذا لم يعظموه ويرفعوه، ويخضعوا له، ويجد في قلبه بغضة لمن لم يفعل به ذلك، ولو فتش نفسه حق التفتيش لرأي فيها ذلك كامنًا، ولهذا تراه عاتبًا على من لم يعظمه ويعرف له حقه، متطلبًا لعيبه في قالب حمية لله، وغضب له، وإذا قام بمن يعظمه ويحترمه، ويخضع له من الذنوب أضعاف ما قام بهذا فتح له باب المعاذير والرجاء، وأغمض عنه عينه وسمعه، وكف لسانه وقلبه، وقال: باب العصمة عن غير الأنبياء مسدود! وربما ظن أن ذنوب من يعظمه تكفَّر بإجلاله وتعظيمه وإكرامه إياه. فإذا أراد الله بهذا العبد خيرًا ألقاه في ذنب يكسره به، ويعرفه قدره، ويكفي به عباده شره، وينكس به رأسه، ويستخرج به منه داء العجب والكبر والمنة عليه وعلى عباده، فيكون هذا الذنب أنفع لهذا من طاعات كثيرة، ويكون بمنزلة شرب الدواء ليستخرج به الداء العضال». (١) في (خ): فيرفعه.