للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والخلافة لندمه ولإقلاعه، ولعلم الله سبحانه أنه لم يرد بذلك خلافه.

وأمَّا مَنْ ندم على الماضي ولم يصلح المستقبل، ويستغفر بلسانه وقلبه، ومصرٌ على عصيانه، فهذا كالمستهزئ بربه، والخلل في إيمانه.

وهذا كما قال الحسن البصري :) (١) استغفارنا هذا يحتاج إلى استغفار كثير. أو كما قال الفضيل رحمة الله عليه: استغفار بلا إقلاع توبة الكذابين.

وكان بعض العرب يقول وهو متعلق بأستار الكعبة: اللهم إن استغفاري مع إصراري لُؤم، وإن تركي الاستغفار مع علمي بسعة عفوك لعجزٌ، فكم تتحبَّب إليَّ بالنعم مع غناك عنِّي، وأتبغض إليك بالمعاصي مع فقري إليك. يا من إذا وعد وفَّى، وإذا توعَّد (٢) تجاوز وعفا؛ أدخل عظيمَ جُرمي في عظيم عفوك يا أرحم الراحمين.

فمن علامة التوبة أن يكون العبد تائبًا مستغفرًا بلسانه، مقلعًا عن الذنوب بقلبه، ويقضي الفرائض، ويرد المظالم، ويذيق نفسه مرارة الطاعة كما أذاقها حلاوة المعصية، والبكاء عوض الضحك، وتغيير الحال في المأكل والملبس والمنام وأن تضيق عليه الأرض ونفسه، كما جرى لأصحاب النبي وهم الثلاثة الذين خُلفوا في غزوة تبوك (٣).


(١) إلى هنا نهاية سقوط ورقة من (ق).
(٢) في (خ، ق): تواعد.
(٣) أخرجه أحمد في «مسنده» ٣/ ٤٥٦ (١٥٧٨٩)، والبخاري في «صحيحه» (٢٧٥٧) ومسلم في «صحيحه» (٢٧٦٩)، وأبو داود في «سننه» (٢٢٠٢)، والنَّسائي في «الكبرى» (١١٢٣٢) عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك؛ أن عبد الله بن كعب بن مالك وكان قائد كعب من بنيه حين عَمِى قال: سمعت كعب بن مالك يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله في غزوة تبوك، فقال كعب بن مالك: لم أتخلف عن رسول الله في غزوة غيرها قط إلا في غزوة تبوك غير أني كنت تخلفت في غزوة بدر ولم يُعاتب أحدًا تخلف عنها، إنما خرج رسول الله يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، ولقد شهدت مع رسول الله ليلة العقبة حين توافقنا على الإسلام، ما أحب أن لي بها مشهد بدر =

<<  <  ج: ص:  >  >>