للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمعصيته، فربما يكون ذلك استدراجًا. قال المولى: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [القلم: ٤٤]. واسمع قوله تعالى: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [فاطر: ٤٥]. وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾ [إبراهيم: ٤٢].

وهذا وعيد، وفيه تخويف وتهديد، وإذا أحب الله تعالى عبدًا عجَّل عقوبته في الدنيا، وعفا عنه في الآخرة، وبعكس ذلك إذا أبغضه، ويكفيك في هذا الباب ما جرى لفرعون لعنه الله؛ أنه عاش أربع مئة سنة لم يختلج له عرق، ولم يضرب له ضرس، ولم ترمد له عين، وكان أبغض الخلق إلى الله تعالى، وبرز منه شيء لم يبرز من إبليس لعنهما الله جميعًا؛ لأن إبليس تكبر على آدم، وفرعون قال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ [النازعات: ٢٤]. فعند ذلك أخذه المولى، واسمع قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ [الأنعام: ٤٤].

نظر عَمرُو بن مُرَّةٍ إلى امرأة فأعجبته، فكُفَّ بصره فقال: أرجو أن تكون كفارة لي (١).

والحقُّ يغار على من يحبه أن ينظر إلى غيره، ومن أبغضه رماه للكائنات.

مسألة: رجل مسَّ أمرد بشهوة.

للفقهاء في المسألة قولان:

أحدهما: كمس النساء بشهوة ينقض الوضوء. ذكره القاضي أبو يعلى


(١) أخرجه أبو نُعيم في «الحلية» ٥/ ٩٥ عن عمرو بن مرة قال: نظرت إلى امرأة فأعجبتني، فكف بصري، فأرجو أن يكون ذلك كفارة.
ووقع في نسخ كتابنا: (عمر بن مرو)، وصوابه: (عمرو) وهو عمرو بن مرة بن عبد الله بن طارق بن الحارث الجملي المرادي، أبو عبد الله وقيل: أبو عبد الرحمن، الكوفي الأعمى، ثقة عابد، أحد الأعلام، من صغار التابعين، توفي سنة (١١٨) وقيل قبلها، رحمه الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>