للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعظم عند الله من تنِّينٍ (١). فحقيقٌ على من تعرَّض للنظر الحرام أن تطول به الأسقام. ثم بكى، قلت: ما يبكيك؟ قال: أخاف أن يطول في النار شقائي. فانصرفت عنه، وأنا راحم له مما رأيت من سوء الحال (٢).

فاحذر يا أخي، وفقنا الله وإيَّاك من شرِّ النظر، فكم أهلك من عابد، وفسخ عزم زاهد، وعلاجه في ابتدائه قريب، فإذا تمكن صَعُب، ثم اعلم بأن النظرة الأولى لك والثانية عليك، إذا لم تتعمد الأولى وإلا فالكل عليك، والنظر أوله أسفٌ، وآخره تلَفٌ، وأول المحبة نظرة، والثانية فساد للدين وحسرة.

نظر بعض الصالحين في الطواف إلى مُحرمٍ (٣)، وإذا بلطمة أعمت عينه التي نظرت، وسمع قائلًا يقول: نظرة بلطمة، وإن زدت زدناك (٤).

فإن قال قائل: ها أنا قد نظرت إلى المحرمات فلا عميت ولا رمدت.

جوابه: يكفيك أيها المغرور! عماء قلبك، وبعدك عن الله تعالى؛ إذ شغلت بمخلوق عن الخالق، يخولك في نعمته، وأنت تتمرد عليه


(١) كذا في النسخ، والتنين: حَيَوَان أسطوريٌ، يجمع بَين الزواحف وَالطير، وَيُقَال: لَهُ مخالب أَسد وَأَجْنِحَة نسر وذنب أَفْعَى، كذا في «المعجم الوسيط»، وفي «تلبيس إبليس»: (وهو عند الله أعظم من كبير)، وفي «ذم الهوى»: « … من ثبير»، وثَبِيرٌ: جبل بمكة.
(٢) أخرج هذه القصة ابن الجوزي في «تلبيس إبليس» ٢٤١، وفي «ذم الهوى» ١١٩، بإسناده عَنْ أبي حمزة الصوفي قال: كان عَبْد الله بن مُوسَى من رؤساء الصوفية ووجوههم، فنظر إلى غلام حسن في بعض الأسواق فبلي به، … فذكرها.
(٣) يمكن أن تقرأ: (مُحْرِمٍ)، أو: (مُحَرَّمٍ).
(٤) قال عبد الرحمن بن عبد السلام الصفوري (ت: ٨٩٤ هـ) في «نزهة المجالس ومنتخب النفائس» ١/ ١٤٢: حكاية: قال بعض الصالحين: رأيت رجلًا في الطواف، وهو يقول: اللهم إني أعوذ بك من سهم غائر. فسألته عن ذلك فقال: كنت طائفًا فنظرت بعيني الواحدة إلى غلام حسن الوجه، فأصابني سهم من الهواء، فأخرجته من عيني، فرأيت عليه مكتوبًا: نظرت إلى الحرام بعينك الواحدة للعبرة، فرميناك بسهم الأدب، ولو نظرت بعين الهوى لرميناك بسهم القطيعة على قلبك، حتى ينكر معرفتنا. والغائر: هو الذي لا يعلم راميه.

<<  <  ج: ص:  >  >>